وروى عن الخلال إلى حماد بن أبى عمر قال قال أبو نعيم سمعت أبا حنيفة يقول لأبي يوسف: لا ترو عني شيئا فإني والله ما أدري أمخطئ أنا أم مصيب. هذا لم ينقل عن أبى حنيفة لكن نقل عنه ما هو قريب من هذا، وذلك أنه كان إذا بلغ أحد أصحابه رتبة الاجتهاد قال له: لا يحل لك بعد أن تأخذ عنى. فهذا يدل على دينه ووفور عقله وهذا لم يفعله أحد من العلماء قبل أبى حنيفة ولا بعده، والعلة في هذا أن المجتهد كما بيننا يخطئ ويصيب، والواجب على كل مسلم أن يجتهد فإن قدر على الاجتهاد مثل الفقهاء كان، وإن لم يقدر اجتهد فيمن يأخذ عنه. وهذا عليه إجماع الأمة فكان أبو حنيفة يقرئ الناس الفقه فإذا بلغ أحدهم رتبة الاجتهاد قال له هذا القول. أفترى ذلك عيبا على من فعله؟ أو على من اعتقد أن هذا ذم؟ وما قلت عن الخطيب فهو أحسن الوجهين له، لأنه إن كان يعرف هذا وقال هذا، إنما كان قصده الطعن على الأئمة جميعهم، لأن هذه مسألة إجماع. ألا تراه قال لأبى يوسف ولم يقل لغيره، وذلك لعلمه بأبى يوسف وهذا دال على ما قلت ولو كان كما قال الخطيب لقال لهم جميعا ولم يقرئ أحدا مذهبه.
وروى عن ابن رزق إلى عمر بن حفص بن غياث عن أبيه قال كنت أجلس إلى أبي حنيفة فأسمعه يسأل عن مسألة في اليوم الواحد فيفتي فيها بخمسة أقاويل، فلما رأيت ذلك تركته وأقبلت على الحديث. هذا هو الفقه لأنه يوجه جميع الوجوه حتى يترجح عنده الحق فيتبعه. وقد روى عن أبى حنيفة أنه كان يتحدث في المسائل إلى أن سأله محمد بن الحسن فقال: ما تقول يا شيخ في رجل قال لامرأته إن كلمتك فأنت طالق إن كلمتك فأنت طالق إن كلمتك فأنت طالق. فقال ثم ماذا؟ فقال محمد أنظر حينا. فأطرق أبو حنيفة رأسه ثم رفعه. فقال: طلقت ثنتان. فقال أحسنت.
فقال ما أدرى أى قوليه أوجع. أنظر حينا أو أحسنت. قال فما كان أبو حنيفة بعد ذلك إذا سئل مسألة يرفع رأسه حتى يأتى بالجواب. وفقهه معروف لا أحتاج أن أذكره فمن أراد أن يعرفه فليقف عليه وليتصفحه، فقد روى أن عالما يهوديا كان بالبصرة فطلب الجامع الكبير، فلما وقف عليه. قال: من بحث عن دينه مثل هذا ودقق مثل هذه المسائل ثم لم يدعها لنفسه وإنما نسبها إلى نبى أشهد أنه على الحق.
فأسلم وهذا يعد من بركات محمد بن الحسن رحمه الله لما صنفه، ومسائله معروفة فإن من أراد أن يقرأه ويفهمه يحتاج أن يكون عالما بارعا بستة علوم؛ أولها الكتاب العزيز، والآثار، والفقه، والنحو، واللغة، والحساب. ومن لم يكن مجيدا بهذه العلوم لم يعرفه إلا تقليدا.
Sayfa 75