له في قول الشاعر؟
رياضٌ يُغازلنَ الضُّحى والأصائِلا ... ويَمرينَ أخلافَ السَّحابِ خوائِلا
فإن جاز أن يكون الليل ساهرًا والرياض التي ليست بحي ناطق ولا عامل تغازل الأصائل والضحى، وتمري أخلاف السحاب، وتستدر الحيا، وهي لا تقدر على شيء جاز أن يستمع الميت النوح والندبة والبكاء، وهو لا يقدر على شيء منها، وإنما أراد الشاعر بمغازلتها الضحى والاصائل طيب الوقتين فيها لنضارة زهراتها وغضارة نباتها ورفيف أنوارها وإشراقها وإسفارها، كأنها تغازل الوقتين، فتبسط منهما بنشرها فتستأنس وتنشر كأنها تمري السحاب إذا وقفت عليها تجودها، وإلا فلا مغازلة هناك في الحقيقة ولا مري، فإنها لا تقدر على شيء من هذا، ولكنها لما كانت لها وتسببها فكأنها تعلمها، كذلك هذا الاستماع لما كانت الندبة له وعليه كأنه تسمعه وإن كانا لا حس ولا فعل لهما، ويدلك عل صحة ذلك قول الله تعالى: (سآوي إلى جبلٍ يعصمني منَ الماءِ)، واللاجئ إليه يعصم به نفسه، وليس الجبل يعصمه، وإنما يعصم من يعلم ويعرف وينصر ويخذل عن غير أمر الله الذي هو نازل به، فإن جاز ذلك جاز أن يستمع الميت أيضًا، وهو جماد كالجبل لا يقدر على شيء، وقالوا للصدى: ابنة الجبل، فإن جاز أن يكون أو يقال له: ابنة الجبل جاز ذلك أيضًا، وأوضح من
جميع ما ذكرناه قول الشاعر:
وما تنفكُّ هاماتُ بدمخٍ ... تُبكِّيها نساءٌ بالعراقِ
وهامةُ صالحٍ تدعو بماءٍ ... لتُسقاهُ وما هي أرضُ ساقِ
1 / 65