وكقول بشار:
إذا ما غضبنا غضبةً مُضرَّيةً ... هتكنا حجابَ الشَّمسِ أو مَطرت دًما
فهذه كلها على سبيل الاستعارة والمجاز والتوسع في الكلام والإيجاز دون الحقائق التي إن طالب بها معترض حكم عليه بصدأ الفهم وطبع الطبع وعمى القلب وعدم الذهن وتبلُّد
الخاطر وفساد مزاج البصيرة وجمود هواء الذكاء وحرارة الظرف، فكذلك قال الرجل: يطول استماعي بعده، أي بعد ذلك اليوم للنوادب، أي: يطول بكاؤهن عليَّ وهو، وإن لم يكن في الحقيقة مستمعًا لها، فكأنه مستمع، إذ بكاؤهن عليه، ويدلك على صحة ما قلنا أول البيت وهو قوله:
ولابُدَّ مِن يومٍ أغرَّ محجَّلٍ ... . . . . . . . . . . . . . . .
البيت الذي يتلوه، وهو قوله:
يهونُ على مثلي إذا رامَ حاجةً ... وقوعُ العوالي دونَها والقواضبِ
كثيرُ حياةِ المرءِ مثلُ قليلها ... يزولُ وباقي عيشهِ مثلُ ذاهبِ
والدليل على فساد ما فسره أبو الفتح أنه ألف بُد من ظفره بالعدو وقتله له، وألف شك فيه، والعدو ربما يظفر به ويقتله، ولا يصح أن يعبر ب (لابد) إلا عما لا شك في أنه واقع كائن، فأما ما يكون فيه شك فلا، وما أبعد طرق أصحاب اللغة والإعراب عن دقائق معاني الإشعار ولطائف المغازي فيها، وليت شعري ما يقول المنكر
1 / 64