بِالْقَلْبِ وَيكون الْإِيمَان أَعم إِذا قُلْنَا أَنه قَول اللِّسَان واخلاص بِالْقَلْبِ وَعمل بالجوارح وَهُوَ قَول كثير من السّلف وَإِذا قُلْنَا أَن الْإِسْلَام بِاللِّسَانِ والجوارح خَاصَّة (المسأة الثَّانِيَة) فِي أحكامهما وَفِي ذَلِك أَربع صور (الأولى) أَن يجمع بَينهمَا وَهُوَ أَن يكون العَبْد مُؤمنا بِقَلْبِه منقادا بجوارحه فَهَذَا مخلص عِنْد الله (الثَّانِيَة) عكسهما وَهُوَ أَن يعْدم الوصفين فَهَذَا كَافِر مخلد فِي النَّار (الثَّالِثَة) الانقياد بالجوارح دون الْإِيمَان بِالْقَلْبِ فَهَذَا مخلد فِي النَّار وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُسمى فِي زمن النبوءة منافقا وَسمي بعد ذَلِك زنديقا (الرَّابِعَة) عكسها) وَهِي الْإِيمَان بِالْقَلْبِ دون النُّطْق وَالْعَمَل فَإِذا كَانَ ذَلِك لإكراه ولضيق الْوَقْت كمن أسلم ثمَّ مَاتَ بأثر ذَلِك قبل أَن يَسعهُ نطق وَلَا عمل فَهُوَ مَعْذُور مخلص عِنْد الله وان كَانَ لغير ذَلِك فَاخْتلف فِيهِ
الْبَاب الْعَاشِر فِي الِاعْتِصَام بِالسنةِ وَفِيه مَسْأَلَتَانِ
(الْمَسْأَلَة الأولى) فِي ترك الْبدع قَالَ رَسُول الله ﷺ (تركت فِيكُم أَمريْن لن تضلوا مَا تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي) وَقَالَ ﷺ (أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بأهيم اقْتَدَيْتُمْ) وحض على الِاقْتِدَاء بالخلفاء الرَّاشِدين فالخير كُله فِي التَّمَسُّك بِالْكتاب وَالسّنة والاقتداء بالسلف الصَّالح وتجنب كل مُحدث وبدعة وَقد كَانَ المتقدمون يذمون الْبدع على الاطلاق وَقَالَ الْمُتَأَخّرُونَ أَنَّهَا خَمْسَة أَقسَام وَاجِبَة كتدوين الْعلم ومندوبة كَصَلَاة التَّرَاوِيح وَحرَام كالمكوس وَغَيرهَا ومكروه كتخصيص بعض الْأَيَّام بِبَعْض الْعِبَادَات ومباح كَمثل مَا أحدثه النَّاس من المطاعم والملابس فقد قَالَت عَائِشَة ﵂ لم يكن فِي زمن النَّبِي ﷺ مناخل (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي النّظر والتقليد وَذَلِكَ أَن الِاعْتِقَاد يحصل إِمَّا بِالنّظرِ وَإِمَّا بالتقليد فَأَما التَّقْلِيد فَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ فمذهب الْمُتَكَلِّمين أَنه لَا يجوز وَلَا يجزأ وَقَالَ أَكثر الْمُحدثين أَنه جَائِز يخلص عِنْد الله وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن رَسُول الله ﷺ قنع من النَّاس بِحُصُول الْإِيمَان بِأَيّ وَجه حصل من تَقْلِيد أَو نظر وَلَو أوجب عَلَيْهِم الِاسْتِدْلَال أَو النّظر لعسر الدُّخُول فِي الدّين على كثير من النَّاس كَأَهل الْبَوَادِي وَغَيرهم وَإِنَّمَا النّظر وَالِاسْتِدْلَال شأنذوي الْعُقُول الراجعة والأذهان الثَّابِتَة وَفِيه تَتَفَاوَت دَرَجَات الْعلمَاء وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء ثمَّ إِن خير الِاسْتِدْلَال مَا كَانَ على طَريقَة السّلف الصَّالح من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأئمة الْمُسلمين وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِكِتَاب الله وتدبر آيَاته وَالِاعْتِبَار فِي بديع مخلوقاته وعجائب مصنوعاته والاقتداء بأخبار الْمُصْطَفى ﷺ وجمي لسيرته وباهر علاماته ثمَّ إخلاص الْمحبَّة لَهُ وَلأَهل بَيته الطاهرين وأزواجه وَأُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَأَصْحَابه الْأَبْرَار الأكرمين وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين وَرَضي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ آمين»
1 / 17