إِمَامَة جَمِيعهم من ثَلَاثَة أوجه (أَحدهَا) أَن كل وَاحِد مِنْهُم جمع شُرُوط الْإِمَامَة على الْكَمَال (وَالْآخر) أَن كل وَاحِد مِنْهُم أجمع الْمُسلمُونَ فِي زَمَانه على بيعَته وَالدُّخُول تَحت طَاعَته وَالْإِجْمَاع حجَّة (وَالثَّالِث) مَا سبق لكل وَاحِد مِنْهُم من الصُّحْبَة وَالْهجْرَة والمناقب الجليلة وثناء الله عَلَيْهِم وَشَهَادَة الصَّادِق ﷺ لَهُم بِالْجنَّةِ ثمَّ إِن أَبَا بكر وَعمر أَشَارَ رَسُول الله ﷺ إِلَى خِلَافَتهمَا وَأمر بالإقتداء بهما وَقدم أَبَا بكر على حجَّة الْوَدَاع وعَلى الصَّلَاة بِالنَّاسِ فِي مرض مَوته وَذَلِكَ دَلِيل على استخلافه ثمَّ اسْتخْلف أَبُو بكر عمر ثمَّ جعل عمر الْأَمر شُورَى بَين سِتَّة وَاتَّفَقُوا على تَقْدِيم عُثْمَان إِلَى أَن قتل مَظْلُوما بِشَهَادَة النَّبِي ﷺ بذلك ووعده لَهُ بِالْجنَّةِ على ذَلِك ثمَّ ثمَّ كَانَ أَحَق النَّاس بهَا بعده عَليّ لرتبته الشَّرِيفَة وفضائله المنيفة وَأما مَا شجر بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة وَمن كَانَ مَعَ كل مِنْهُمَا من الصَّحَابَة فَالْأولى الْإِمْسَاك عَن ذكره وَأَن يذكرُوا بِأَحْسَن الذّكر ويلتمس لَهُم أحسن التَّأْوِيل فَإِن الْأَمر كَانَ فِي مَحل الإجتهاد فَأَما عَليّ وَمن كَانَ مَعَه فَكَانُوا على الْحق لأَنهم اجتهدوا فَأَصَابُوا فهم مأجورون وَأما مُعَاوِيَة وَمن كَانَ مَعَه فاجتهدوا فأخطأوا فهم معذورون وَيَنْبَغِي توقيرهم وتوقير سَائِر الصَّحَابَة ومحبتهم لما ورد فِي الْقُرْآن من الثَّنَاء عَلَيْهِم ولصحبتهم لرَسُول الله ﷺ فقد قَالَ ﷺ «الله الله فِي أَصْحَابِي لَا تجعلوهم غَرضا بعدِي فَمن أحبهم فبحبي أحبهم وَمن أبْغضهُم فببغضي أبْغضهُم وَمن آذاهم فقد آذَانِي وَمن آذَانِي فقد آذَى الله) (الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة) فِي شُرُوط الْإِمَامَة وَهِي ثَمَانِيَة الْإِسْلَام وَالْبُلُوغ وَالْعقل والذكورة والعدول وَالْعلم والكفاءة وَأَن يكون نسبه من قُرَيْش وَفِي هَذَا خلاف فَإِن اجْتمع النَّاس على من لم تَجْتَمِع الشُّرُوط فِيهِ جَازَ خوفًا من إِيقَاع الْفِتْنَة وَلَا يجوز الْخُرُوج على الْوُلَاة وَإِن جاروا حَتَّى يظْهر مِنْهُم الْكفْر الصراح وَتجب طاعتهم فِيمَا أحب الْإِنْسَان وَكره إِلَّا أَن أمروا بِمَعْصِيَة فَلَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق
الْبَاب التَّاسِع فِي الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَفِيه مَسْأَلَتَانِ
(الْمَسْأَلَة الأولى) فِي مَعْنَاهُمَا أما الْإِسْلَام فَمَعْنَاه فِي اللُّغَة الإنقياد مُطلقًا وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَة الإنقياد لله وَلِرَسُولِهِ ﷺ بالنطق بِاللِّسَانِ وَالْعَمَل بالجوارح وَأما الْإِيمَان فَمَعْنَاه فِي اللُّغَة التَّصْدِيق مُطلقًا وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرِيعَة التَّصْدِيق بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر فالإسلام وَالْإِيمَان على هَذَا متباينان وعَلى ذَلِك قَوْله تَعَالَى «قَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا» وَقد يستعملان مترادفين كَقَوْلِه «فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين» وَقد يستعملان متداخلين بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص فَيكون الْإِسْلَام أَعم إِذا كَانَ الإنقياد بِاللِّسَانِ وَالْقلب والجوارح لِأَن الْإِيمَان خَاص
1 / 16