قلت: ولا شك أن من تمعن في كلام إمام المتكلمين أبي المعالي الجويني وفهمه فهمًا بليغًا، ووعاه وعيًا تامًا، بأن له الرشد في جملته وتفصيله لكون الإِمام ﵀ قد توخى الحق في تضاعيفه، والصدق في إيضاحه وإثباته.
وأنا لا أوافق الشيخ الكوثري الذي فهم من هذا النص أنه يدعو إلى التفويض حيث قال: "وقد فرح بعض الحشوية في غير مفرح ظنًا منهم أنه مال إليهم في آخر أمره، وأنّى ذلك؟ وقد صرّح في فصول الكتاب بتنزيه الله قطعًا من الحوادث وصفات المحدثين" (١).
قلت: وهذه مغالطة من الشيخ الكوثري -غفر الله لنا وله- فمن قال بأن السلف وأهل الحديث -والذي ينبزهم بالحشوية ظلمًا وبهتانًا- لا ينزهون الله عن الحوادث وصفات المحدثين، وهذه كتبهم تشهد لهم بالتنزيه ونقد المجسمة وأهل التشبيه، فإطلاق الأحكام على سلف هذه الأمة بدون ضابط ولا قيد لا يليق بالعلماء فضلًا عن كرامهم.
والذي ذهبنا إليه في تأويل كلام الجويني هو الصحيح، بدليل أن الإِمام الذهبي اعتبره من المثبتين للصفات بعامة ولصفة العلو بخاصة، وذلك في كتابه "العلو للعلي الغفار" صفحة: ٢٧٤ - ٢٧٥ (٢).
ونختم هذا المبحث المفيد -إن شاء الله- بما قاله شيخ الإِسلام ﵁ في تنزيه الله ﷾، فهو الردّ المفحم لكل من تسوّل له نفسه أن يتهم سلف هذه الأمة بالميل إلى التشبيه لكونهم وصفوا الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ.
يقول ﵀: " .. كما يجب تنزيه الرب عن كل نقص وعيب،
(١) تعليق محمد بن زاهد الكوثري على العقيدة النظامية: ٢٥.
(٢) وإلى هذا الرأي ذهب شيخ الإِسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل ٢/ ١٨، والفتوى الحموية: ٧٨.