قال المعترض تلقيتم وحدة العلم الأزلي من استحالة علوم غير متناهية يحصرها الوجود ومن أن الاختصاص بعدد مخصوص ثم ارتكبتم مثله في العلم الواحد حيث قلتم أنه واحد متعلق بمعلومات لا تتناهى فقد أثبتم له تعلقات حقيقية أو تقديرية لا تتناهى وما حصره الوجود كيف يشتمل على تعلقات غير متناهية فإن قلتم أنها على التقدير المفروض لا تتناهى فالتقدير فكيف يتصور في حق القديم سبحانه وإن قلتم أنها على التحقيق الموجود فالتحقيق للمتعلق كالتحقيق للمتعلق فلم لا يجوز علوم غير متناهية ثم التناهي بعدد مخصوص كالتناهي بالواحد فإن أوجب اختصاص العدد مخصصا كذلك يستدعي اختصاص الوحدة مخصصا وهو كما أن كثرة نوع الإنسان في الوجود استدعى مكثرا ووحدة نوع الشمس في الوجود استدعت موحدا ثم معلومات الله تعالى مجملة أم مفصلة فإن قلتم أنها مجملة على معنى أنه يعلم ما لا يتناهى من حيث أنها لا تتناهى من غير أن ينفصل معلوم عن معلوم فهو علم واحد تعلق بمعلوم واحد وما ينفصل به بقي مجهولا وإن قلتم أنها مفصلة على معنى أنها تتميز في علمه بخصائص صفاتها فالجمع بين التفصيل ونفي النهاية مستحيل فما الجواب عن هذه المشكلات.
قالت الصفاتية لسنا نعني بالتعلقات علائق حسية ولا حبائل خيالية ولا ينفي التناهي عن المعلومات أعدادا من المعلومات غير متناهية حاصرة في الوجود بل نعني بالتعلق والمتعلق أن الصفة الأزلية صالحة لدرك ما يعرض عليها على وجه لا يستحيل فيعبر عن تلك الصلاحية نحو الدرك بالتعلق ويعبر عن جهة العرض عليه حتى يدركه بالمتعلق ثم وجوه الجائزات على التقدير غير متناهية فالمتعلقات غير متناهية فالتعلقات غير متناهية فالعلم القديم صفة متهيئة لدرك ما يعرض عليها على وجه الجواز دون الاستحالة والقدرة الأزلية صفة متهيئة لإيجاد ما يعرض عليها على وجه الجواز دون الاستحالة فالمعنى بالعرض جهة الإمكان وتعيين الآحاد على البدل والمعنى بالمعروض عليه جهة الصلاحية إما نحو الإدراك وإما نحو الإيجاد وهذا كما أن الصور المتعاقبة على الهيولي عند القوم لا تتناهى على البدل وإنها فائضة على الهيولي من واهب الصور وذات واهب الصور واحدة إلا أنها على صفة لها صلاحية الفيض حتى ما يتهيأ الهيولى لقبول الصورة فتعرض الإمكان على القدرة كتهي الهيولي لقبول الصور وصلاحية الصفة له نحو الإدراك والإيجاد كصلاحية الواهب لفيض الصورة ثم الواهب واحد ومع وحدته على كمال يفيض منه صور لا تتناهى على البدل فذات الواهب واحدة ولكنه في حكم ما لا يتناهى والصورة لا تتناهى ولكنها في حكم الواحد ثم ما حصره الوجود فهو متناه وما قدره المقدر غير متناه فإن التقدير تعبير عن الصلاحتين أو نبا عن الاستعدادين واستعمال لفظ الصلاحية في جانب القديم توسع وفي جانب الحادث حقيقة فإن القديم بالإعطاء أجدر والحادث بالقبول أولى ثم جهات الإمكان لا تتناهى وهي تشترك كلها في جهة الإمكان المحتاج إلى من يخرجه من وجه الإمكان إلى عين الوجود فوجوه الممكنات كلها إلى القديم سبحانه وهو تعالى من حيث العلم يحيط بها ويدركها بوجه واحد وهو صلاحية العلم نحو الإدراك ويوجدها ويخترعها بوجه وهو صلاحية القدرة نحو الإيجاد وتخصصها بمثل دون مثل بوجه وهو صلاحية الإرادة نحو التخصيص ويتصرف فيها بتكليف وتعريف بوجه وهو صلاحية الكلام نحو الأمر والنهي ثم هل تشترك هذه الحقائق والخصائص في صفة واحدة أم في ذات واحدة فتلك الطامة الكبرى على المتكلمين حتى فر القاضي أبو بكر الباقلاني رضي الله عنه منها إلى السمع وقد استعاذ بمعاذ والتجاء إلى ملاذ والله الموفق.
القاعدة الحادية عشر
في الإرادة
وهي تتشعب إلى ثلاث مسائل أحدها في كون الباري تعالى مريدا على الحقيقة الثانية في أن إرادته قديمة لا حادثة والثالثة أن الإرادة الأزلية متعلقة بجميع الكائنات.
أما الأولى فالكلام فيها مع النظام والكعبي والجاحظ والنجار فذهب النظام والكعبي إلى أن الباري تعالى غير موصوف بها على الحقيقة وإن ورد الشرع بذلك فالمراد بكونه تعالى مريدا لأفعاله أنه خالقها ومنشئها وإن وصف بكونه مريدا لأفعال العباد فالمراد بذلك أنه أمر بها وإن وصف بكونه مريدا في الأزل فالمراد بذلك أنه عالم فقط.
Sayfa 80