وقفت عِيسي فيه مستعبرًا ... أقول آهًا تَعِسَ البعد
إلى هنا بعد ليالٍ خلت ... معدودةٍ قد بلغ الحدُّ
هب أن سكانك قد أجفلت ... عنك فأين الغور والنجد
لم يبق إلا طللٌ شاخصٌ ... كالوشم محَّى جُلَّه الرَّند
وله:
هاتها تفديك روحي قهوةً ... أدركت عادًا وأيَّام لُبد
واسقني واشرب ولا تذكر لنا ... خبر النَّاس ولا سعر البلد
إن للعالم ربًّا إن يشأ ... صلح العالم أو شاء فسد
وله:
اسقنيها قبل ارتفاع النَّهار ... إنَّ طيب المدام في الإبكارِ
هي بكرٌ فاشرب ويومك بكرٌ ... لم تشبه الأنام بالأكدارِ
الصَّبوح الصبوحَ في جدِّه الي ... وم فإنَّ الصَّبوح روح العقارِ
يا فَدَتك النفوس وهي قليلٌ ... من نديم سهل الطِّباع مدارِ
هاتها ضحوة النَّهار شمولًا ... مثل شمس النَّهار وسط النَّهارِ
قهوةً مثل مقلة الدِّيك صهبا ... ءَ كنار الكليم ليست بنارِ
ذات عصرٍ أدناه عهد أنو ... شروان ليست بمزَّةٍ مُصطارِ
لطَّفتها كرُّ السنين فلم تب ... قِ سوى لمحةٍ من الأنوارِ
فتراءت كالشَّمس غبَّ سماءٍ ... تجتلى بين حمرةٍ واصفرارِ
لست تخشى من لطفها بعد سكرٍ ... من صداعٍ بادٍ ولا من خمارِ
في رياضٍ تزهي بباكورِ وردٍ ... وأقاح وسوسنٍ وبهارِ
ذات أرضٍ موشيةٍ بربيعٍ ... ذهَّبت وشيها يد الأزهارِ
يستفيق المخمور إن مرَّ فيها ... من هواءٍ صافٍ وماءٍ جارِ
هذا مأخوذ من قول الوأواء الدمشقي:
سقى الله ليلًا إذ زار طيفه ... فأفنيته حتى الصَّباح عناقا
بطيب نسيمٍ فيه يستجلب الكرى ... فلو رقد المخمور فيه أفاقا
وفي الثاني ما يوهم التناقض: والوأواء أخذه من قول الفتح بن خاقان، في وصف جاريةٍ له، وهو ما نقل ابن حمدون، قال: كان الفتح بن خاقان يأنس بي، فقال لي مرة: شعرت يا أبا عبد الله أني انصرفت البارحة من مجلس أمير المؤمنين، فلما دخلت منزلي استقبلتني فلانة، فلم أتمالك أن قبلتها، فوجدت فيما بين شفتيها هواءً لو رقد المخمور فيه لصحا.
ومنه في الغزل قول شرف الدين القابوسي:
قابلني ليلة قبَّلته ... ظبيٌّ من الشمس غدا أملحا
طيب نسيم بين أسنانه ... لو رقد المخمور فيه صحا
تتمة الأبيات:
قم بنا يا نديم يفديك مالي ... من تلادٍ وطارفٍ وعقارِ
نقطع الدهر كلَّ يومٍ بزقٍّ ... وغزالٍ ساقٍ وكأسٍ مدارِ
آن طيب الزَّمان واعتدل الجوُّ ... وصار الضُّحاء كالأسحارِ
وأتاك الرَّبيع يضحك عجبًا ... وهو من نسج نوره في إزارِ
يا نديمي أفديك فيما التَّواني ... ما ترى البسط ابن اللَّيالي القصارِ
فاسقنيها واشرب على زهرة الرَّو ... ضِ وسجع القمري وشدو الهزارِ
وتغنَّم صفو الزَّمان وروق ال ... عمر من قبل ضيعة الأعمارِ
لا تبالي إذا سكرت بوزرٍ ... إن مولاك غافر الأوزارِ
وله من قصيدة مطلعها:
نقض الجرح وكان اندملا ... وامتلا القلب وقد كان خلا
عاده داء الهوى من بعد ما ... راح وقد أفرق عنه وسلا
ماله تزعجه زفرته ... كلَّما استاف صبًا أو شمألا
وإذا شام بروقًا لمعت ... غلب الدَّمع الحيا فانهملا
ومتى أبصر بدرًا طالعًا ... ظنَّه عنه الذي قد أفلا
عاش في أرغد عيش برهةً ... مستريحًا راق حالًا وحلا
ليس يدري الهمَّ حتى أن رأى ... ليته لم ير تلك المقلا
1 / 12