وفي الموارد اللاتينية، واليونانية والكتابات الجاهلية. وإذا جاز لأحد الشك في أصل بعض القبائل المذكورة في كتب اليهود أو في مؤلفات الكتبة "الكلاسيكيين" على اعتبار أنها أخطأت في إدخالها في جماعة العرب، فإن هذا الجواز يسقط حتما بالنسبة إلى القبائل المذكورة في الكتابات الجاهلية، وبالنسبة إلى القبائل التي دوّنت تلك الكتابات. فهي كتابات عربية، وإن اختلفت عن عربيتنا وباينت لغتها لغتنا؛ لأنها لهجة قوم عاشوا في بلاد العرب ونبتوا فيها، وقد كان لسانهم هذا اللسان العربي المكتوب.
فسبيلنا في هذا الكتاب إذن، هو البحث في كل العرب: العرب الذين تعارف العلماء الإسلاميون على اعتبارهم عربًا. فمنحوهم شهادة العروبة، بحسب طريقتهم في تقسيمهم إلى طبقات، وفي وضعهم في أشجار نسب ومخططات، والعرب المجهولين الذين لم يمنحوا هذه الشهادة بل حرموا منها، ونصّ على إخراجهم من العرب كالنبط على ما ذكرت، والعرب المجهولين كل الجهل الذين لم يكن للمسلمين علم ما بهم، ولم يكن لهم علم حتى بأسمائهم. سنتحدث عن هؤلاء جميعًا، على اعتبار أنهم عرب، جهلهم العرب، لأنهم بادوا قبل الإسلام، أو لأنهم عاشوا في بقاع معزولة نائية، فلم يصل خبرهم إلى الإسلاميين؛ فلما شرع المسلمون في التدوين، لم يعرفوا عنهم شيئًا، فأُهملوا، ونسوا مع كثير غيرهم من المنسيين.
سئل أحد علماء العربية عن لسان حمير، فقال: ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا"١؛ ولكن علماء العربية لم يتنصلوا من عروبة حمير، ولا من عروبة غيرهم ممن كان يتكلم بلسان آخر مخالف للساننا، بل عدّوهم من صميم العرب ومن لبّها، ونحن هنا لا نستطيع أن ننكر على الأقوام العربية المنسية عروبتها، لمجرد اختلاف لسانها عن لساننا، ووصول كتابات منها مكتوبة بلغة لا نفهمها، فلغتها هي لغة عربية، ما في ذلك شك ولا شبهة، وإن اختلفت عن لسان يعرب أو أي جدّ آخر يزعم أهل الأخبار أنه كان أول من أعرب في لسانه؛ فتكلم بهذه العربية التي أخذت تسميتها من
_________
١ الجمحي: طبقات الشعراء "ص٤ وما بعدها".
1 / 34