خاص به يميزه عن سائر الألسنة، من بعد الميلاد حتى اليوم. وقد وسع الإسلام رقعة بلاد العرب، كما وسع مجال اللغة العربية، حتى صارت بفضله لغة عالمية خالدة ذات رسالة كبيرة. غمرت بفضل الإسلام بعض اللغات مثل الفارسية والتركية والأردية ولغات أخرى، فزودتها بمادة غزيرة من الألفاظ، دخلت فيها حتى صارت جزءًا من تلك اللغات، يظن الجاهل أنها منها لاستعماله لها، ولكنها في الواقع من أصل عربي.
وربّ سائل يقول: لقد كان للعرب قبل الإسلام لغات، مثل المعينية والسبئية والحميرية والصفوية والثمودية واللحيانية وأمثالها، اختلفت عن عربية القرآن الكريم اختلافًا كبيرًا؛ حتى إن أحدنا إذا قرأ نصًّا مدوّنًا بلغة من تلك اللغات عجز عن فهمه، وظن إذا لم يكن له علم بلغات العرب الجاهليين أنه لغة من لغات البرابرة أو الأعاجم، فماذا سيكون موقفنا من أصحاب هذه اللغات، وهل نعدّهم عربًا؟
والجواب أن هؤلاء، وإن اختلفت لغتهم عن لغتنا وباينت ألسنتهم ألسنتنا؛ فإنهم عرب لحمًا ودمًا، ولدوا ونشأوا في بلاد العرب، لم يردّوا إليها من الخارج، ولم يكونوا طارئين عليها من أمة غريبة. فهم إذن عرب مثل غيرهم، وكل لغات العرب هي لغات عربية، وإن اختلفت وتباينت، وما اللغة التي نزل بها القرآن الكريم إلّا لغة واحدة من تلك اللغات، ميّزت من غيرها، واكتسبت شرف التقدم والتصدر بفضل الإسلام، وبفضل نزول الكتاب بها، فصارت "اللغة العربية الفصحى" ولغة العرب أجمعين.
وحكمنا هذا ينطبق على النبط أيضًا وعلى من كان على شاكلتهم، وإن عدهم علماء النسب والتاريخ واللغة والأخبار من غير العرب، وأبعدوهم عن العرب والعربية؛ فقد كان أولئك وهؤلاء عربًا أيضًا، مثل عرب اليمن المذكورين ومثل ثمود والصفويين واللحيانيين، لهم لهجاتهم الخاصة؛ وإن تأثروا بالإرمية وكتبوا بها، فقد تكلم اليهود بالإرمية ونسي كثير منهم العبرانية، ولكن نسيان أولئك اليهود العبرانية، لم يخرجهم مع ذلك عن العبرانيين.
وسترد في بحثنا عن تاريخ الجاهلية أسماء قبائل عربية كثيرة عديدة لا عهد للإسلاميين بها، ولا علم لهم عنها، ذُكروا في التوراة وفي كتب اليهود الأخرى
1 / 33