ذلك الإعراب.
وبعد أن عرفنا معنى لفظة العرب والألفاظ المرادفة لها، أقول إن بلاد العرب أو "العربية"، هي البوادي والفلوات التي أطلق الأشوريون ومن جاء بعدهم على أهلها لفظة "الأعراب"، وعلى باديتهم "arabeae" و"arabae" وما شاكل ذلك. وهي جزيرة العرب وامتدادها الذي يكون بادية الشام حتى نهايتها عند اقتراب الفرات من أرض بلاد الشام؛ فالفرات هو حدها الشرقي. أما حدها الغربي: فأرض الحضر في بلاد الشام. وتدخل في العربية بادية فلسطين و"طور سيناء" إلى شواطئ النيل. وقد أطلق بعض الكتاب اليونان على الأرضين الواقعة شرق ال "araxe"، أي الخابور اسم١ "Arabia"، كما أدخل "هيرودوتس" أرض طور سيناء إلى شواطئ نهر النيل في "العربية" "Arabia" أي بلاد العرب٢.
أما الآن وقد عرفنا لفظة عرب، وكيف تحددت، وتطورت، أرى لزامًا علينا الدخول في صلب موضوعنا وهو تاريخ العرب، مبتدئين بمقدمة عن الجاهلية وعن الموارد التي استقينا منها أخبارها، ثم بمقدمات عن جزيرة العرب وعن طبيعتها وعن الساميين وعقليتهم وعن العقلية العربية، تليها بحوث في أنساب العرب، ثم ندخل بعد ذلك في التاريخ السياسي للعرب، ثم بقية أقسام تاريخ العرب من حضارة ومدنية ودينية واجتماعية ولغوية.
ولما كان الإسلام أعظم حادث نجم على الإطلاق في تاريخ العرب، أخرجهم من بلادهم إلى بلاد أخرى واسعة فسيحة، وميّزهم أمة تؤثر تأثيرًا خطيرًا في حياة الناس.. صار ظهوره نهاية لدور ومبدأ لتاريخ دور، ونهاية أيام عرفت ب"الجاهلية" وبداية عهد عرف ب"الإسلام" ما زال قائمًا مستمرًا، وسيستمر إلى ما شاء الله، به أُرخ تاريخ العرب، فما وقع قبل الإسلام، عرف بتاريخ العرب قبل الإسلام، وما وقع بعده قيل له: تاريخ العرب بعد الإسلام.
وسيكون بحثنا هنا، أعني في هذه الأجزاء المتتالية في القسم الأول من
_________
١ Xenophon، An. I، ٥، I، Der Araber، In der Alten Weit، I، s. ١٦٥
٢ Heredot، ٢، ١٥، Der Araber، I، s. ١٦٦
1 / 35