فكتب إليه عبيد الله:
كحلتْ مقلتي بشوكِ القتاد ... لم أذقْ، مذ حممتَ، طعم الرقادِ
يا أخي الحافظَ المودةِِ، والنا ... زلَ من مقلتي مكانَ السوادِ
منعتني، الغداةَ، رقةُ قلبي ... من دخولي عليكَ في العوادِ
لو بأذني سمعتُ منكَ أنينًا ... لتقطع معَ الأنينِ فؤادي
وهذا المعنى مأخوذ من قول محمد بن مسعود البجلي، حيث يقول:
لا تلمني إذا لم أعدكَ، فإني ... لم تطقْ أنْ تراك عيني مريضا
ودخل سوار بن عبد الله القاضي على محمد بن عبد الله فقال:
لنا حاجةٌ، والعذر فيها مقدمٌ ... خفيفٌ معلاها، مضاعفةُ الأجرِ
فإنْ تقضيها، فالحمدُ لله وحدهُ ... وإن عاقَ مقدارٌ، ففي أوسعِ العذرِ
وأعلمُ أنَّ الله معطٍ ومانعٌ ... وللنجحِ أسبابٌ بها قدرٌ يجري
فقال محمد بن عبد الله بديهًا:
فسلها، تجدني موضعًا لمكانها ... سريعًا إليها، لا يخالجني فكرُ
وإني لذو جودٍ عليك بضعفها ... وإنْ لم يكنْ فيما حوتُه يدي شطرُ
فهذا قليلٌ في الذي قد رعيتهُ ... بحقكَ، لا منٌّ عليك، ولا فخرُ
فقال القاضي: اريد كتابًا إلى موسى بن عبد الملك في تعجيل أرزاقي. قال: أوخير من ذلك أعجلها من مالي، وأكتب إلى موسى، فإذا وصلت كنت مخيرًا في ردها أو أخذها. قال: وأنت والله يا أمير كما قال القائل:
فبابكَ ألينُ أبوابهم ... وداركَ مأهولةٌ عامرهْ
وكفاكَ أندى من المع ... صرات في الليلة الثجةِ الماطرهْ
وكفكَ ألفُ بالمعتفي ... ن من الأمِّ بابنتها الزائرهْ
فمنكَ العطاءُ، ومنا الث ... ناءُ بكلِ محبرةٍ سائرهْ
ومن قصائده المختارة التي ذهب فيها مذهب العرب، واستطرف قافيتها ورويها، وهذب ألفاظها:
يا منْ لصبٍّ أصاب مقلتهُ ... بينٌ مشتٌّ، بالأمسِ، حمَّ لهُ
فشفهُ همهُ، وكابد من ... حندسِ ليلِ التمامِ أطولهُ
ولم تذقْ عينه الرقادَ إلى ... أن شقَّ نور الصباح عيطلهْ
لما تقضى بالهمِّ آخره ... أعادَ ذكر الفراقِ أولهُ
وباتَ يرعى النجومَ مرتفقًا ... قد غره دمعهُ فأهملهُ
فانهلَّ كالغربِ أعملوهُ ... وقد أوهت يمينُ الصناعِ أسفلهُ
يجري على الخدِّ والسوالف حتى ... غاص في ثوبهِ فبللهُ
ما كان ألهاهُ قبل ذاك، وما ... كان بقربِ الحبيبِ أجذلهُ
فإن يكن حادثُ الزمان رمى ... الجسم بخطبٍ، تراهُ أنحلهُ
وأصبح الشيبُ في المفارق قد ... غالَ قناع الصبا، وبدلهُ
كما حدا الليلَ بعدَ عسعسةٍ ... ضوءُ نهارٍ بدا، فرحلهُ
فقد ترى الخردَ الحسانَ به ... يطفنَ أو يقتربنَ منزلهُ
يلهيهِ منهنَّ من يشاء ومن ... شاءَ بحلو الحديثِ عللهُ
يقلنَ جهرًا، وفي الضمائر ما ... أحسنَ هذا الفتى، وأجملهُ
لو لم تبذرْ كفاهُ ما حوتا ... ولم يباشرْ في البأس أهولهُ
أردنَ نصحًا فيما كرهنَ له ... ولم تكن نفسهُ لتقبلهُ
لن يدركَ المجدَ من يحاولهُ ... حتى ينالَ الغنى فيبذلهُ
ويرهبَ المعتدونَ صولته ... ورمحهُ، في الوغى، ومنصلهُ
إن يعمهم من خطوب دهرهمُ ... يكفيهمُ الرأي منه مفصلهُ
فيحمد المعتقونَ نائله ... والخائفُ المستجيرُ موئلهُ
يا ربّ غيثٍ قد بتُّ أرقبه ... أشتمُّ من برقه تهللهُ
كأنما لمعهُ مهندُ ذي ... طائلةٍ سلهُ، فأعملهُ
وخلتهُ، والعراقُ مهبطه ... يضيء من ليل نجدِ ليلهُ
ورعدهُ إذ دنا له رحلٌ ... كجندل الطود، هدَّ جندلهُ
ما زال نوءُ السماكِ يجمعهُ ... حتى إذا ما استتمَّ، أسبلهُ
فأمرعَ الناسَ والسوامَ حيًا ... أحيى به الله حين أنزلهُ
ثم اغتدينا للصيدِ، حيثُ سقى ... من طفِّ أرض القرى فأخضلهُ
بأعوجيٍّ في عطفه أرنٌ ... أدمج في خلقهِ، فأكملهُ
صافي أديم الأهاب تعرفُ من ... ذي العنق، في حدهِ، تسهلهُ
فهو كأثفيةٍ ململمةٍ ... لا عيب فيه لمن تأملهُ
تراهُ يوم الرهان من زمعٍ ... يبدي استماع الصهيل أو كلهُ
1 / 38