فمضى وقلبي له ألمٌ ... متوقدٌ كتوقد الجمرِ
عجبًا لأرضٍ كان يسكنها ... ولقد يضيقُ بجوده الغمرِ
حتى إذا أودى به حدثٌ ... وارتهُ عنا ظلمة القبرِ
لا كالحسين نما لصاحبهِ ... وشجى لأهلِ النكثِ والغدرِ
يا ابن الجحاجحةِ الذين مضوا ... فضلوا الأنامَ بأحسنِ الذكرِ
الواهبينَ طريفَ ما لهم ... وتليدهُ في العسرِ واليسرِ
يسقونَ ضيفهمُ الحليبَ من ال ... لأدمِ الغزارِ، مواترَ الدرِّ
حتى إذا ضنت بدرتها ... درتْ لضيفهمُ من النحرِ
وهمُ الملوكُ على الأنامِ، وهم ... أهلُ القبابِ، وساسةُ الأمرِ
فورثت صالحَ ما حووا، ولقد ... زينتُ ذاك بأطيب الخبرِ
ذكر أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
كان عبيد الله أغزر القوم شعرًا، واكثرهم بيتًا نادرًا، وله أشعار قديمة، أيام أبيه، وكان له بنون يقولون الشعر كلهم، منهم: محمد وسليمان. وقال:
وإني لأعطي كلَّ أمرٍ بقسطه ... إذا الخطبُ عن حزمِ الرويةِ أجهضا
فأستعتبُ الأحباب، والخدُّ ضارعٌ ... وأستعتبُ الأحبابَ، والسيفُ منتضى
وقال في ابن له سماه يحيى فاخترم:
وسميتهُ يحيى ليحيا، فلمْ يكنْ ... لردِّ قضاء الله فيه سبيلُ
تيمنتُ فيه الفألَ لما رزقتهُ ... ولم أدر أنَّ الفألَ فيه نبيلُ
وله أيضًا:
وإني لأعفى ما أكونُ، إذا اعتلتْ ... بالانتقامِ أناملي وذراعي
والناسُ يلزمُ أنْ يكونَ أمنهمْ ... بالعفوِ أقدرهم على الإيقاعِ
وقول الأخطل:
شمسُ العداوة، حتى يستقادَ لهم ... وأعظمُ الناسِ أحلامًا إذا قدروا
وقال أيضًا:
إذا بلغَ المكروهُ أقصى حدودهم ... ولم تكُ فيه حيلةٌ لمحاولِ
فهبهُ، إذًا، كالموتِ، واجعل أشدهُ ... كأهونهِ، وافزعْ إلى صبرِ عاقلِ
وله أيضًا:
ألم ترَ منْ تذوي عليه يمينهُ ... فيقطعها عمدًا، ليسلمَ سائرهْ
فكيف تراهُ بعدَ يمناهُ فاعلًا ... بمنْ ليس منه حين تذوي سرائرهْ
وله ايضًا:
ليسَ في كلّ حالةٍ وأوانِ ... تتهيا صنائعُ الأخوانِ
فإذا أمكنتْ تقدمتَ فيها ... حذرًا من تعذرِ الإمكانِ
وهذا المعنى مأخوذ من قول الأول:
وما كلُّ حينٍ يسعدُ الدهرُ أهلهُ ... ولا يمكنُ المعروفُ أهلُ التواصلِ
وما الناسُ إلا حالةٌ بعد حالةٍ ... فمهما ترد من فعلِ خير، فعاجلِ
وقال في الغزل:
حمى الأعادي علينا الوصلُ فاتفقتْ ... أسرارنا، فتقاطعنا بإعلانِ
وحسبنا أن تراضينا على ثقةٍ ... بجفوةٍ، فتواصلنا بهجرانِ
وله أيضًا:
تريدينَ أنْ أرضى وترضي، وتمسكي ... زماميَ، ما عشنا معًا، وعناني
إذًا، فانظري الدنيا بعينيَّ، واسمعي ... بأذني، وانطقي بلساني
وله أيضًا:
فبتنا على رغم الحسودِ، وبيننا ... حديثٌ كريح المسكِ شيبتْ به الخمرُ
حديثٌ لو أنَّ الميتَ يحيى بذكرهِ ... لأصبحَ حيًا، بعدما ضمهُ القبرُ
وله أيضًا:
ولما رأيتُ البينَ قد جدَّ جدهُ ... وقد حانَ من ليلِ الفراقِ ركودُ
بكيتُ فأمطرنا دموعًا، سماؤها ... جفونُ عيونٍ، والبقاعُ خدودُ
أخذه من أبي تمام:
مطرٌ من العبراتِ خدي أرضهُ ... حتى الصباحِ، ومقلتاي سماؤهُ
وقال:
ومنتصبٍ لصبوحِ المدامِ ... نازعتهُ الراحَ حتى انجدلْ
ومنجدلٍ بنعاسِ الخمارِ ... نازعتهُ الراحَ حتى اعتدلْ
وله أيضًا:
يا صاحِ هلا زرتنا في مجلسٍ ... حضرَ السرورُ به، فنعمَ الحاضرُ
زمنُ المغني فيه من إحسانهِ ... والكأسُ دائرةٌ، وغنى الزامرِ
ذكر محمد بن عبد الله ابن طاهر، ابي العباس
كان محمد شعرًا دون شعر أبيه. إنما كان بليغًا في التوقيعات والرسائل، وكان يعرف النجوم معرفة حسنة. ومرض مرة، فلم يعه أخوه، فكتب إليه:
إني رأيتُ على سلو ... كَ من فعالكَ شاهدًا
إني اعتللتُ فما فقد ... تُ، سوى رسولكَ، عائدًا
ولو اعتللتَ، ولم أجدْ ... شيئًا إليكَ مساعدا
لاستشعرتْ عيني الكرى ... حتى أزوركَ راقدا
1 / 37