بسم الله الرحمن الرحيم
المعروف بيتيمة الدهر في محاسن أهل العصر. وخدمت به خزانة الصاحب الصدر الكبير، العالم، العادل، المجاهد، المؤيد، المظفر، المنصور، تاج الدين، مجد الإسلام، وعضد الأنام، حسام الدولة، همام الملة، نصرة المجاهدين، فاهر المتمردين، منصف المظلومين من الظالمين، عز الصدور، ظهير الجمهور، اختيار الإمامة المكرمة، عرس الخلافة المعظمة، كريم العراق، طاهر الأعراق، سند المسلمين، أخي الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين، أبي الفتوح علي بن. . .، وعمر بالثناء والحمد ناديه. وأنا أعتذر من سهو يقع، وخرق لا يرقع. ومن اقتضى العفو ارتضى الصفو، وما خلا أحد من عاب، ولا رفع قلم عن كتاب.
قال أبو عبيدة: الشعراء الجاهلية ثلاثة، امرؤ القيس، والنابغة، وزهير. وسنذكرهم، ومن بعدهم على أوجز ما يكون من الاقتصار، وأحسن ما يليق من الاختصار. فإن المذاكرة لا تحتمل الإسهاب والإضجار. ولم أذكر إلا النوادر الغريبة الحسان، ومن الشعراء الذين لم يعرفهم إلا القليل من الأعيان. وابتدأت بذكر الشعراء الملقبين، الذين منهم من لقب بشعر قاله، ومنهم من لقب بعلامة فيه، أو بظاهر من لونه، أو بمشهور من فعله، ومنهم ببلده أو بكنيته.
ألقاب الشعراء
فصل فيمن لقب بشعر قاله
فممن لقب من الشعراء ببيت قاله مدرج الريح لقوله:
أعرفتَ رسمًا من سميةَ باللوى ... درجتْ عليهِ الريحُ بعدكَ فاستوى
ويروى عنه أنه لما عمل نصف هذا البيت ارتج عليه، وأقام يكره مدة سنة، ولا يقدر يعمل له عجزًا. وكان قد دفن في نفس المنازل التي كان ينزلها دفينة، فذكرها وقال لجاريته أن تمضي وتخرج الخبيئة من تلك البرية والموضع الذي أعطاها علامته. فمضت الجارية، وقد اختلفت الرياح على تلك الأراضي، وعفت آثارها. فعادت ولم تجد شيئًا. فسألها عن الحال، فقالت:
درجتْ عليهِ الريحُ، بعدكَ، فاستوى
فتمم بيته بهذا، وسمي مدرج الريح.
ومنهم المرقش، واسمه عمرو بن سفيان، وهو مرقش الأصغر.
وسمي مرقشًا لأن وجهه كان منقطًا. وقال:
كما رقش في ظهرِ الأديمِ قلمْ
ومنهم الممزق لقوله:
وإنْ كنتُ مأكولًا، فكنْ أنتَ آكلي ... وإلاّ فأدركني ولما أمزقِ
ويروى أن عثمان كتب بهذا لبيت إلى علي، وهو محصور.
ومنهم المخرق، نسب نفسه إلى الممزق، وقال:
أنا المخرقُ أعراضَ اللئامِ، كما ... كانَ الممزقُ أعراضَ اللئامِ أبي
ومنهم المثقب، واسمه عائذ بن الأحمر بن وائلة. وإنما سمي مثقبًاَ لقوله:
أرينَ محاسنًا، وكننَّ أخرى ... وثقبنَ الوصاوصَ للعيونِ
الوصاوص: البراقع. ولقوله:
ظعائنٌ لا شوقي بهنَّ ظعائنٌ ... ولا الثاقباتُ من لؤي بنِ غالبِ
الثاقبات: يريد المصيبات.
ومنهم النابغة الذبياني، واسمه زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن ذبيان. قيل: إنما سمي النابغة لقوله:
وحلتْ في بني قينِ بنِ جسرٍ ... وقد نبغتْ لا منهمْ شؤونُ
وقل آخر: إنما سمي النابغة لأنه نبغ بالشعر. والنوابغ أربعة: نابغة بني ذبيان، ونابغة بني جعدة، وهو قيس بن عبد الله، ونابغة بني الحارث، وهو يزيد بن إبان، ونابغة بني شيبان، وهو عبد الله بن المخارق. سموا لأتهم نبغوا بالشعر بعدما كبروا.
ومنهم الخلج، واسمه ناجية بن مالك. وسمي الخلج بقوله:
كأنَّ تخالجَ الأشطانِ فيها ... شآبيبٌ تجودُ مع الغوادي
ومنهم شقرة، واسمه معاوية بن الحارث. سمي شقرة لقوله:
وقد أحملُ الرمحَ الأصمَّ كعوبهُ ... بهِ من دماءِ القومِ كالشقراتِ
والشقرات: الشقائق. وإنما سميت بذلك لأن النعمان بنى مجلسًا، وسماه الضاحك، وزرع فيه الشقرات، فسمي شقائق النعمان.
ومنهم المفضل، واسمع عامر بن معشر بن أسحم بن عدي بن شيبان. وإنما سمي المفضل بقوله في قصيدته المنصفة:
فأبكينا نساءهم، وأبكوا ... نساءً ما يسوغُ لهنَّ ريقُ
ومنهم المقرض، واسمه زهدم بن معد بن عبد الحارث. وإنما سمي مقرضًا لقوله:
وأنا المقرضُ في جنو ... بِ الغادرينَ بكلِّ جارِ
تقريضَ زندةِ قادحٍ ... في كلها يورى بنارِ
1 / 1
ومنهم المكواة، واسمه عبد الله بن خالد بن حجبة بن عمرو. وإنما سمي المكواة لكثرة ذكره الكي في شعره، ولقوله:
ومثلكَ قد عللتُ بكأسِ غيظٍ ... وأصيدَ قد كويتُ على الجبينِ
ولقوله:
لجيمٌ وتيم الله عزي وناصري ... وقيسٌ بها أكوي النواظرَ من صدِّ
ومنهم الحتات، واسمه بشر بن رديح بن الحارث بن ربيعة. وإنما سمي الحتات لقوله:
ومشهدِ أبطالٍ شهدتُ كأنما ... أحتهمُ بالمشرفيِّ المهندِ
الحت: أقل من النحت.
ومنهم الهجف، واسمه كعب بن كريم بن معاوية. وإنما سمي الهجف لقوله:
يرجي ابنُ معطٍ درها وانتحالها ... هجف جفتْ عندَ الموالي فأصعدا
الهجف: الظليم المسن.
ومنهم البعيث، واسمه خداش بن لبيد. وإنما سمي البعيث لقوله:
تبعثَ مني ما تبعثَ بعدما ... أمرتْ قواي، واستمرَّ عزيمي
أي: أبصرت عزمي، فمضيت على ما أعزم عليه. لأنه إنما قال الشعر وقد أسن.
ومنهم ذو الخرق، واسمه بن شريح. وإنما سمي ذا الخرق لقوله:
لا يألفُ الدرهمُ المصرورُ خرقتنا ... لكنْ يمرُّ عليها، ثمَّ ينطلقُ
ومنهم أعمر، واسمه منبه. وإنما سمي أعمر لقوله:
قالتْ عميرةُ ما لرأسكَ بعدما ... طالَ الزمانُ أتى بلونٍ منكرِ
أعميرَ إنَّ أباكَ شيبَ رأسهُ ... مرُّ الليالي، واختلافُ الأعصرِ
والأعمر: الدخان. وقيل: إنه دخن على قوم في غار، فماتوا.
ومنهم قاتل الجوع، واسمه أمرؤ القيس بن كعب بن عمرو. وإنما سمي قاتل الجوع لقوله:
قتلتُ الجوعَ في الشتواتِ حتى ... تركتُ الجوعَ ليس له نكيرُ
ومنهم مزرد، واسمه يزيد بن ضرار الكلبي. وسمي مزردًا لقوله:
ظللنا نصادي أمنا عن حميتها ... كأهل شموسٍ، كلنا يتوددُ
فجاءتْ بها صفراءَ ذاتَ أسرةٍ ... تكادُ عليها ربة النحي تكمدُ
فقلت: تزردها عبيدُ، فأنني ... لدردِ الموالي، في السنين، مزردُ
الحميت: النحي المربوب. فإذا لم يرب فهو نحي. وإنما سمي حميتًا لأنهم يعملونه بالرب. والحميت: المتين.
ومنهم ذو الرمة، واسمه غيلان بن عقبة. وإنما سمي ذا الرمة لقوله:
لم يبقَ غيرُ مثلٍ ركودِ ... غيرُ ثلاثٍ باقياتٍ، سودِ
وبعدَ مرضوخ ِالقفا، موتودِ ... أشعثَ باقي رمةِ التقليدِ
الرمة: بقية حبل خلق. ورمت العظام: بليت.
ومنهم القطامي، واسمه عمرو، ويقال: عمرة. وإنما سمي القطامي بقوله:
يحطهنَّ جانبًا فجانبا ... حطَّ القطاميِّ القطا الهوازبا
والقطامي: الصقر. ويقال القطامى.
ومنهم الحطيم، واسمه نعمان بن مالك. وسمي الحطيم لقوله:
سلِ الحطيمَ، اليومَ، عن غمامهْ ... خالمها، فرضيتْ خلامهْ
غمامة: امرأة من دارم. وخالمها: صادقها. والخلم: الصديق.
ومنهم الغريب، وهو نعيم بن سليم. وإنما سمي الغريب لقوله:
إسمي نعيمٌ، وأنا الغريبُ ... إسما كريمٍ بهما أحببُ
ومنهم عائد الكلب، وهو عبد الله بن مصعب بن عبد الله بن الزبير. وإنما سمي عائد الكلب لقوله:
مالي مرضتُ فلم يعدني عائدٌ ... منكمْ، ويمرضُ كلبكمْ فأعودُ
ومنهم الأسعر، وكان قديمًا من الشعراء، واسمه مرثد بن أبي حمران. وإنما سمي الأسعر لقوله:
فلا يدعني قومي لسعدِ بن مالكٍ ... لئن أنا لم أسعرْ عليهم، وأثقبِ
أي: أوقد. والسعر: وقود النار والحرب. وقيل: سمي الأسعر لدقة ساقيه.
ومنهم الصامت، واسمه عمرو بن الغوث من طيء. وسمي الصامت بقوله:
رأتني صامتًا لا قولَ عندي ... ألا إنَّ الغريبَ هو الصموتُ
ومنهم عارق، واسمه قيس بن جروة بن سيف وائلة. وإنما سمي عارقًا لقوله:
لئنْ لم نغيرْ بعضَ ما قد فعلتمُ ... لأنتهشَ العظمَ الذي أنا عارقهْ
ومنهم العجاج. وإنما سمي العجاج لقوله:
حتى يعجَّ ثخنًا من عجعجا
العج: رفع الصوت. والثخن: الغلبة.
ومنهم الخطفي، واسمه حذيفة بن بدر بن سلامة بن عوف. وإنما سمي الخطفي بقوله:
يرفعنَ لليلِ إذا ما أسدفا ... أعناقَ حياتٍ، وهامًا رجفا
وعنقًا بعدَ الكلالِ خيطفا
الخيطف: السريع.
1 / 2
ومن الشعراء المحدثين المرعث، وهو بشار بن برد، واسمه المرعث مولى عقيل، وكان أعمى. وقيل له المرعث لقوله:
منْ لظبيٍ مرعثٍ ... ساحرِ الطرفِ والنظرْ
قال لي: لستَ بنائلي ... قلتُ: أو يغلبُ القدرْ
وقيل: سمي بالمرعث لأنه ولد وهو مشقوق طرف الأذن، فقالوا: ولد مرعثًا، أي لم يحتج إلى أن تثقب أذنه.
ومنهم شهوات، واسمه موسى. وإنما سمي شهوات لقوله في يزيد بن معاوية:
لست منا، وليس خالدُ منا ... ما نضيعُ الصلاةَ للشهواتِ
ومنهم عويف القوافي، وهو عويف بن عيينة بن حصن. وسمي بذلك لأنه قال:
سأكذبُ منْ قد كان يزعمُ أنني ... إذا قلتُ قولًا لا أجيدُ القوافيا
ومنهم الفرار، الذي قال رسول الله ﷺ لنبي سليم: إلى من أرفع لواءكم؟ قالوا: إلى الفرار. فكره صلى الله عليه ذلك. فقالوا: إنما اسمه حيان بن الحكم، وغنما سمي الفرار لقوله:
وكتيبةٍ ألبستها بكتيبةٍ ... حتى إذا ألتبستْ نفحتُ بها يدي
ويروى: نفضت بها يدي.
هل ينفعني أنْ تقولَ نساؤكمْ ... وكلت خلفَ شريدهم: لا تبعدِ
ومنهم طرفة، واسمه عمرو بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك. وإنما سمي طرفة لقوله:
لا تعجلا بالبكاءِ اليوم مطرفًا ... ولا أميركما، بالدارِ، إذْ وقفا
قوله: مطرف، أي مجلوب، فهو ينزع إلى وطنه. قال ذو الرمة:
كأنني من هوى خرقاءَ مطرفٌ
ومنهم صريع الغواني، وهو مسلم بن الوليد الأنصاري. وإنما سمي بذلك لأن الرشيد، ﵁، إستنشده قصيدته:
أديرا عليَّ الكأسَ لا تشربا قبلي
فأنشده، فلما بلغ حيث يقول:
هلِ العيشَ إلا أنْ تروحَ مع الصبا ... وتغدو صريعَ الكأسِ والأعينِ النجلِ
فقال الرشيد: سموه صريع الغواني. فهجاه بعضهم فقال:
فما ريحُ السذابِ أشدُّ بغضًا ... إلى الحياتِ منكَ إلى الغواني
ومنهم مجتني المروءة، وهو عبد الله بن أحمد الحنفي، وكان صديقًا لعبد الله بن المقفع. وإنما لقب بذلك لكثرة ذكر المروءة في شعره وقوله:
لا تحسبنْ أنَّ المرو ... ءةَ مطعمٌ، أو شربُ كاس
أوْ في الولايةِ والموا ... كبِ، والمراكبِ، واللباس
لكنها كرمُ الفرو ... عِ، زكتْ على كرمِ الأساس
وقوله أيضًا:
ليسَ المروءةُ بالدراهمْ ... بل المروءة بالمكارمُ
كم من غنيٍّ سفلةٌ ... ومقلِّ قومٍ ذي معالمُ
فصل في ذكر من لقب من الشعراء بعلامة من خلقه وبظاهر من لونه
منهم الأخضر، وهو الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب. وإنما سمي الأخضر لأنه كان أدمًا شديد الأدمة والأدم عند العرب: الأخضر. ويسمون الأبيض أخضر. وسمي آدم ﵇ لأنه كان أبيض. وقال الفضل:
وأنا الأخضرُ منْ يعرفني ... أخضر الجلدةِ من نسلِ العربْ
قال: والأخضر أيضًا في كلام العرب: الأسود. ويسمون الليل: الأخضر، والماء: الأخضر. قال الراجز:
وعارضُ الليلِ إذا ما أخضرا
ولذلك سمي السواد، لكثرة الأشجار، وخضرتها.
ومنهم الحطيأة، واسمه جرول بن مالك. وإنما سمي الحطيأة لقصره.
ومنهم الأقيشر، واسمه عقبة من بني عميرة. وسمي الأقيشر لشدة حمرة لونه، والأقشر: الشديد الحمرة، وقوله:
إني أنا الأقشرُ ذاكم نزبي ... أنا الذي يعرفُ قومي حسبي
والنزب والنبز: اللقب. وهذا من المقلوب، وهو النبز. كمل قالوا: جبذ وجذب، وما أطيبه وما أيطبه.
ومنهم أيضًا أقيشر آخر، كان يغضب إذا دعوه الأقيشر، ويخاصم. وهو المغيرة بن عبد الله بن الأسود. ودعاه بعضهم بالأقيشر، فقال له:
أتدعوني الأقيشرَ، ذاك إسمي ... وأدعوكَ ابن مطفئةِ السراجِ
فسمي ذاك الرجل بابن مطفئة السراج.
ومنهم الأخطل، وهو غياث بن غوث بن الصلت. وإنما سمي الأخطل لكبر أذنه. والخطل: المسترخية الآذان. يقال: شاة خطلاء، ورجل أخطل، أي عظيم الأذن. والخطل: الحمق. والخطل: خفة وسرعة. ويقال: خطل في كلامه، إذا أخطأ. ومن ألقاب الأخطل: دوبل. وقال جرير:
بكى دوبلٌ، لا يرقئ الله دمعهُ ... ألا إنما يبكي من الذلِّ دوبلُ
1 / 3
فلما بلغ الأخطل هذا البيت قال: أخزاه الله، والله لقد سمتني أمي بهذا الاسم يومًا واحدًا وأنا طفل، فمن أين وقع لهذا الخبيث.
ومنهم الفرزدق، واسمه همام بن غالب بن صعصعة. وإنما سمي الفرزدق لأنه كان جهم الوجه، فقيل: كأن وجهه فرزدقة، وهو الجردق الكبير. يقال: بالدال وبالذال. والفرزدق أيضًا: الفتوت الذي تشربه المرأة. ولقد قال له بعض أهل المدينة، نكرًا عليه: والله ما نعرف الفرزدق إلا هذا الفتوت الذي تشربه المرأة وتقذفه. فقال: الحمد لله الذي جعلني في بطون نسائكم.
ومنهم الزبرقان، واسمه حصين بن بدر. وإنما سمي الزبرقان لأنه كان خفيف اللحية. والعرب تسمي الخفيف اللحية: الزبرقان. وقال قطرب: إنه كان حسن الوجه، فشبه بالقمر، ويقال للقمر: الزبرقان. قال الشاعر:
تضيءُ له المنابرُ حين يرقى ... عليها، مثلُ صنوِ الزبرقانِ
وقال الخليل: الزبرقان: ليلة أربع عشرة وخمس عشرة. وقال أبو عبيدة: قلت لرجل من ولد الزبرقان: لم سمي الزبرقان، واسمه حصين؟ قال: اشترى حلة خضراء مزبرقة، ثم راح إلى ندي قومه، فقالوا له: زبرقت. وزبرق الرجل ثوبه: إذا صفره، أو حمره.
ومنهم الطرماح، واسمه حكم بن حكيم. وإنما سمي الطرماح لطوله. والطرماح: الطويل. قال الشاعر:
معتدل الهادي، طرماح العصبْ
وقيل: سمي الطرماح لزهوه. والطرماح: الذي يرفع رأسه زهوًا.
ومنهم أبو قطيفة، واسمه عمرو بن الوليد بن عقبة. وإنما سمي أبا قطيفة لأنه كان كثير شعر الجسد والوجه.
ومنهم الأرقط، وهو حميد بن مالك. وسمي الأرقط لآثار كانت في وجهه.
ومنهم الأفوه. سمي بذلك لأنه كان غليظ الشفتين، ظاهر الأسنان.
ومنهم النجاشي. سمي بذلك لشدة سواده.
ومنهم جحدر. واسمه ربيعة بن ضبيعة بن قيس. وإنما سمي جحدرًا لقصره.
ومنهم زياد الأعجم. وإنما سمي الأعجم لأن مولده ومنشأه كان بفارس.
ومنهم سديف. واسمه إسماعيل بن ميمون. وسمي سديفًا للونه شبه بالسدف. وسديف تصغير السدف. والسدفة: الظلمة. وهذا من الأضداد. لأن السدفة في الضياء والظلمة. وقال ابن الأعرابي: السدفة ظلمة يخالطها ضوء.
ومنهم أبو نواس. واسمه الحسن بن هاني الحكمي. ويكنى أبا علي. وإنما قيل له أبو نواس لذؤابة. كانت في رأسه. والنواس: الذؤابة. ومنه سمي ذا نواس. وقيل: سمي ذا نواس لضفيرتين كانتا تنوسان على عاتقه. والنوس: الحركة من كل شيء مدلى. وقال محمد بن يحيى المقرئ: سألت أبا نواس عن كنيته، ما أراد بها، وهل نواس بفتح النون، أو نواس بضمها؟ فقال: بضم النون، وكان سبب كنيتي أن رجلًا من جيراني بالبصرة دعى إخوانًا له، فأبطأ عليه واحد منهم، فخرج من بابه يطلب من يبعثه إليه، يستحثه. فوجدني ألعب مع الصبيان، وكانت لي ذؤابة في وسط رأسي، فصاح بي: نيا حسن إمض إلى فلان فجئن به. فمضيت أعدو، وذؤابتي تتحرك. فلما جئت بالرجل، قال: أحسنت يا أبا نواس. فشاعت هذه الكنية.
ومنهم حماد عجرد. وهو حماد بن عمرو، من أهل الكوفة، مولى بني عامر. وإنما سمي عجردًا لأنه كان مكتنز الخلق "، كثير العضلات، والعجرد من هذه صفته. والعجرد: الغليظ الشديد.
ومنهم أبو العتاهية. قال أبو سويد عبد القوي: وإنما سمي أبا عتاهية وكنيته أبو إسحاق، واسمه إسماعيل بن سويد، وبلده الكوفة. وأبو عتاهية لقب. تقول العرب: عته الرجل، وهو يعته، ومعتوه: مدهوش من غير مس الجنون. وتقول العرب: رجل عتاهية، بغير ألف ولام. ومعنى عتاهية من الدهاء. وقال ابن الأعرابي: عتاهية الرجال ضلالهم.
ومنهم العث. واسمه زيد بن معروف. والعث: جمع عثة، وهي السوسة. وإنما سمي بذلك لأنه كان أكولًا. والعث يأكل الصوف والخشب وغيره.
ومنهم عروة الصعاليك. وهو عروة بن الورد بن زيد بن عبد الله. وإنما سمي بذلك لأنه كان من أفقر من العرب ضمه إليه. فمن كان يمكنه أن يغزو معه غزى، ومن لم يمكنه ذلك جعل له شيئًا في الفيء، وأقعده. والصعاليك: الفقراء.
ومنهم المقنع اسمه محمد بن عمير. وإنما سمي المقنع لأنه كان أجمل أهل زمانه، وأحسنهم وجهًا، وأقدهم قامة. وكان إذا كشف وجهه لطمته الجن، فكان يقنع وجهه دهره.
1 / 4
ومنهم علقمة الفحل. وهو علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس بن عبيد. وإنما سمي الفحل لأنه كان تنازع هو وامرؤ القيس في الشعر، فقال كل منهما لصا حبه أنا أشعر منك. فقال علقمة: قد حكمت بيني وبينك إمرأتك أم جندب، فقال: قد رضيت. فتحاكما إليها، فقالت: ليقل كل واحد منكما شعرًا يصف فيه الخيل، على قافية واحدة. فقال امرؤ القيس:
خليليَّ مرابي على أمِ جندبِ ... لنقضيَ حاجاتِ الفؤادِ المعذبِ
فقال علقمة:
ذهبت من الهجرانِ في غير مذهبِ ... ولم يكَ حقًا طولَ هذا التجنبِ
وأنشد كل واحد قصيدته. فقالت لامرئ القيس: علقمة أشعر منك. قال: وكيف ذاك؟ قالت: لأنك قلت:
فللسوطِ ألهوبٌ، وللساقِِ درةٌ ... وللزجرِ فيه وقعُ أحرجَ مذهبِ
فجهدت في شكه بسوطك وزجرك، ومريته فأتعبته. وقال علقمة:
فردَّ على آثارهنَّ بحاصبٍ ... وغيبة شؤبوبٍ، من الشدَّ ملهبِ
فأدركهنَّ ثانيًا من عنانهِ ... يمرُّ كمرّ الرائحِ المتحلبِ
فأدرك فرسه ثانيًا من عنانه، لم يضربه بسوط، ولم يزجره بساقه، ولم يتعبه. فقال لها امرؤ القيس: ما علقمة بأشعر مني، ولكنك له عاشقة. وطلقها، وخلف عليها علقمة، فكسمي. وله يقول الفرزدق:
والفحلُ علقمةُ الذي كانت له ... حلل الملوك كلامه تتنخلُ
وأما الجاحظ فأنكر ذلك، وقال: إنما سمي الفحل لأن بعض عياهلة اليمن خصى علقمة بن شبل، فسمي علقمة الخصي، فلما وقع على هذا اسم الخصي، قيل لذاك: الفحل، ليفرق بينهما.
ومنهم البرك. وهو عوف بن مالك، وإنما سمي البرك في حرب، لأنه صعد ثنية من جبل، ومعه أمه على جمل، فلما وصل الثنية ضرب عرقوب فرسه البرك، وقال: أنا البرك أبرك حيث أدرك.
ومنهم الفند. واسمه شهل بن شيبان بن ربيعة، من بكر بن وائل. وكان شيخًا كبيرًا، يعد بألف. فقدم في بكر بن وائل في سبعين رجلًا. فلما رأتهم بكر بن وائل استقلوهم، وقالوا: ويك تغير بهذا الجمع القليل أيها الشيخ؟ فقال: أما ترضون أن أكون لكم فندا؟ قالا: بلى. والفند: الحجر العظيم، أو القطعة الضخمة من الجبل. سمي بذلك.
ومنهم زيد الخيل. وهو زيد بن مهلهل بن زيد. وإنما سمي بذلك لكثرة طراده للخيل، ومغاورته القبائل والأحياء. وسماه رسول الله ﷺ: زيد الخير.
ومنهم عنترة الفوارس. وهو عنترة بن شداد. وإنما سمي عنترة الفوارس لكثرة ملاقاته فرسان العرب، وإغارته على أحيائها. وكان فارسًا.
ومنهم سليك المقانب. وهو سليك بن عمرو. وإنما سمي المقانب لأنه كان صاحب غارات، وأنشد:
وإذا تواكلتِ المقانبُ لم يزلْ ... بالقفرِ منا مقنبٌ معلومُ
وكان هذا أيضًا يسمى رئبالًا. والرئبال: اسم للسبع.
ومنهم الفاتك. وهو عبد الله بن الحسن. وإنما سمي بالفاتك لفتكه في الحرب.
ومنهم المذلق. وهو أوس بن عباد بن عبدود. وإنما سمي المذلق لأن سنانه كان لا يطعن به شيئً إلا أنفذه. فسمي بذلك. وفي ابنه يقول المذلق:
متى ألقَ عبادَ بنَ أوسٍ أقلْ لهُ ... عليكَ سلامُ اللهِ يا ابنَ المذلق
ومنهم المسيب. واسمه زهير، من ربيعة بن نزار. وإنما سمي المسيب حين أوعد عامر بن ذهل، فقالت له بنو ضبيعة: قد سيبناك. فقال فيه بعض شعرائهم:
إذا سركم ألا تؤوبَ لقاحكمْ ... بطانًا، فقولوا لمسيب يسرحِ
ومنهم فقيد ثقيف، واسمه عمرو بن عبد الله. وكان سببه أنه عشق امرأة أخيه سفيان، وكتم أمره، ولم يعرف الأطباء داءه. فقال الحارث بن كلدة الثقفي، وكان طبيب العرب: هو عاشق. فدعى بشراب، فصبه في فيه حتى سكر، فأنشا يقول:
أهيجُ وأهيجُ، و... حزينًا ما أكوننهْ
ألما بي على الأبيا ... تِ بالخيفِ أزرهنهْ
غزالًا ما رأيتُ اليو ... مَ في دورِ بني كنهْ
غزالًا أحور العين ... وفي منطقهِ غنهْ
فقال الحارث: قد عرض ولم يبن. فزاده من الشراب، وعرض عليه نساء العرب، فلما مرت به امرأة أخيه أنشأ يقول:
أهلَ ودي ألا اسلموا ... وقفوا كمي تكلموا
أخذَ الحيُّ حظهمْْْ ... من فؤادي، وأنعموا
فهمُ في كثيرةٍ ... وفؤادي متيمُ
وأخو الحبِّ جسمهُ ... أبدَ الدهر مسقمُ
طلعتْ مزنةٌ من ال ... بحر ريا تحمحمُ
1 / 5
هي ما كنتي، وأز ... عمُ أني لها حمُ
فلما أفاق من سكره عرف ما قاله، فاستحيا من أخيه، فذهب على وجهه، فلا يدرى أين توجه، فسمي فقيد ثقيف.
ومنهم يزيد الغواني. واسمه يزيد بن سويد بن حطان. وإنما سمي بذلك لأنه كان صاحب غوان يتحدث إليهن، فقال:
فلا تدعوني، بعدها، إنْ دعوتنى ... يزيدَ الغواني، وادعني للفوارسِ
ومنهم المجنونان، مجنون بني عامر، وهو قيس بن معاذ، ومجنون بني جعدة، وهو مهدي بن الملوح. سميا بذلك لإفراط جنونهما. قال المبرد: حدثني عبد الصمد بن المعذل، قال: سألت الأصمعي عن المجنون المسمى قيس بن معاذ، فقال: لم يكن مجنونًا، وإنما كانت به لوثة كلوثة أبي حية. واللوثة: الاضطراب، والاسترخاء والانتكاث. والمجنون إنما قيل له مجنون لأنه مستور القعل. ومنه سمي الجن لاستتارهم. وكذا الجنين.
ومنهم قيس الرقيات. وهو عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك بن ربيعة. ورقية بنت الحسين ﵇، وكان يمدحها، ورقية بنت عبد الله.
ومنهم تأبط شرًا، لأنه احتطب ذات ليلة، ثم انصرف بحطبه، فإذا فيه حية، فقال: إني كنت أتأبط شرًا. وقال قوم: إنه قتل الغول وتابطها. ولا حديث طويل يأباه العقل.
ومنهم الحسام. وهو حسان بن ثابت بن المنذر. وإنما سمي الحسام لأنه كان يبلغ بلسانه مبلغ الحسام. وقال مزرد بن ضرار:
ولستَ كحسانِ الحسامِ بنِ ثابتٍ ... ولستُ كشماخٍ، ولا كالمخبلِ
ومنهم اللعين المنقري. وإنما سمي اللعين لأنه جنى جناية، فتبرأ منه قومه، وطردوه وباعدوه، لكيلا يؤخذوا بجريرته. وعند العرب كل مطرود مباعد فهو لعين. وسميت اللعنة من البعد. قال الله جلت قدرته: " يلعنهم الله ": أي يباعدهم.
ومنهم مسكين الدارمي. واسمه ربيعة بن عامر وإنما سمي مسكينًا لأنه احتاج، فسأل أهله وعشيرته، فأعطوه وسموه مسكينًا. ولذلك قال:
وسميتُ مسكينًا وكانتْ لجاجةً ... وإني لمسكينٌ إلى اللهِ، راغبُ
ومنهم القارظان، قارظ عنزة، وقارظ يشكر، ذهبا يقرظان القرظ، ففقدا. فضرب بهما المثل. قال الشاعر:
وحتى يؤوبَ القارظانِ كلاهما ... وينشرَ في الموتى كليبُ بنُ وائلِ
ومنهم الراعي. واسمه عبيد بن الحمير بن معاوية وإنما سمي الراعي لكثرة وصفه رعي الإبل ولغتها في شعره. وقال:
كأنَّ مكانًا لكلكتْ ضرعها بهِ ... مراغةُ ضبعانٍ أسنَّ وأمرعا
لكلكت: حركت.
ومنهم الجفول. لأن النبي ﷺ بعثه إلى قومه يحمل لهم صدقات من الإبل، فجفلت الإبل منه. فسمي بذلك.
ومنهم القتال. واسمه عبد الله بن المضرحي. وإنما سمي بالقتال لكثرة قتله للناس. فقيل له في ذلك، فقال: والله ما أقتل أحدًا ظلمًا، إنما يجيئني الرجل فيقول: إن فلانًا ظلمني، وقد جعلت لك على قتله كذا وكذا، فاقتله.
ومنهم يسار الكواعب، وكان عبدًا أسود. وإنما سمي بذلك لأنه لم تكلمه امرأة إلا ظنها قد عشقته. وكان النساء إذا رأينه يضحكن عليه. حتى نظرت إليه امرأة مولاه، وهي منهن، فضحكت عليه، فظن أنها خضعت له. فقال لصاحب له: قد عشقتني امرأة مولاي. فقال له: يا يسار، إشرب من ألبان هذه العشار، وارع في هذه الأرض القفار، وإياك وبنات الأحرار، فإنهن كحد الشفار. فلم ينتبه. فراجع امرأة مولاه، فأعدت له مدية، وقالت: أحضر بيتي هذه الليلة. فلما جاء إليها أخذت المدية وقطعت مذاكيره، وضربت بها وجهه، وجدعت أنفه. فخرج هاربًا في جوف الليل، فلما رآه صاحبه قال لأصحابه: قد جاء يسار الكواعب. فلما نظر ما به قال له: ألم أنهك؟ فقال للذي كان نهاه:
أمرتُ أبا عوفٍ فلحَّ، كأنما ... برى بصريحِ النصحِ لسعَ العقاربِ
فقلتُ له: لا ترددِ النصحَ، إنني ... أخافُ بأنْ تردى أمامَ الكتائبِ
فقدْ عافَ محضَ النصحِ قبلك جاهلٌ ... فأصبحَ مجدوعًا يسارُ الكواعبِ
فجاءَ بما قد كنتُ أخشى، وربما ... أبى ذو النهى والرأيِ نصحَ الأقاربِ
فصل من لقب من الشعراء بفعل فعل غلب على اسمه
منهم عدل الأصرة. واسمه امرؤ القيس بن الحمام. وكان قديمًا من الشعراء. وهو أول من بكى الديار. وذاك قول امرئ القيس:
يا صاحبيَّ قفا النواعجَ ساعةُ ... نبكي الديارَ كما بكى ابنُ حمامِ
1 / 6
وإنما سمي عدل الأصرة لأن أمه ولدته في الإبل، فلما راحت جعلت عدل الأصرة على بعير من إبلها، فسي بذلك. والأصرة: خيوط تشد على أخلاف الإبل، إذا فلت ألبانها لئلا ترضعها فصلانها. واحدها: إصرار. وأنشد:
ما شمَّ توديةَ الصرار فصيلُ
والتودية: عمود يشد على رأس الخلف.
ومنهم المضرب. واسمه عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى. وسمي بذلك لأنه كان يجلس إلى امرأة فبعشقها، فجاء إخوتها فضربوه.
ومنهم ثابت قطنة. وهو ثابت بن كعب بن جابر. وإنما سمي قطنة لأن عينه أصيبت، فجعل عليها قطنة.
ومنهم ذو الأصبع العدواني. واسمه حرثان بن حارثة. وسمي بذلك لأن حية نهشته في إصبعه. وقال قوم: إنه كان في أصابعه إصبع زائدة.
فصل من غلب اسم أمه على اسم أبيه
منهم ابن الحدادية. وهو قيس بن منقذ الخزاعي.
ومنهم خفاف بن ندبة، وندبة أمه، وكانت سوداء. وخفاف أحد أغربة العرب. وقال أبو عبيدة: أغربة العرب ثلاثة من الشعراء. وإنما سموا أغربة لأن أمهاتهم كن سودًا. وهم: خفاف بن ندبة، وأبو عمير بن الحارث بن الشريد، أحد بني سليم. وسليك بن السلكة، وهو من بني سعد بن زيد مناة من تميم. وعنترة بن زبيبة، أبو عمرو بن معاوية بن شداد.
ومنهم عمرو بن الأطنابة. وأبوه زيد بن مالك الأغر بن ثعلبة.
ومنهم الأشهب بن رميلة وهي أمه، وأبوه: ثور بن أبي خارجة بن عبد المنذر.
ومنهم شبيب بن البرصاء. وهي أمه واسمها بارعة بنت الحارث بن عوف وأبوه: يزيد بن جمرة بن عوف المزني.
ومنهم ابن عنقاء. وهو عبد قيس، من بني فزارة.
ومنهم ابن سهية. وهو: إرطاة بن زفر، من بني ذبيان.
ومنهم ابن أم ذبيان. وهو: زميل بن عقيد بن بلال.
ومنهم ابن أم صاحب. وهو: قعنب بن خمرة.
ومنهم ابن ميادة. وهو: الرماح بن أرثد بن ثوبان.
ومنهم ابن شلوة.
ومنهم ابن دارة. وهو: سالم من بني عبد الله بن غطفان. وفيه قيل: محى السيف ما قال إبن دارة. وأخوه أيضًا عبد الرحمن.
ومنهم ابن الطثرية. وهو يزيد بن المنتشر القشيري، وأمه من طثر، حي من مهرة.
ومنهم ابن قشحم. وهو قيس بن مالك. وقشحم اسم امرأة كان يضرب بها المثل لشجاعتها.
ومنهم ابن ضبة. وقيل: ابن الرعلاء. وما أدري الرعلاء اسم أمه أم أبيه، لأنه لم يعرف الأب.
ومنهم ابن الدمينة.
ومنهم ابن غزالة.
ومنهمخ ابن الطيفان. وهو من دارم.
فصل من نسب إلى أبيه من الشعراء
ابن قرنبل.
ابن الظرب.
وابن الخرج.
وابن جذل الطعان.
وابن العجلان: وهو عبد الله بن عجلان العاشق.
وابن هرمة: وهو إبراهيم.
وابن الرقاع العاملي.
وابن مقبل: وهو تميم بن ابي بن مقبل.
أسماء المعرقين من الشعراء
والمعرق من الشعراء من توالى له خمسة أو أقل أو أكثر، كلهم يقولون الشعر. فإذا كثروا حتى يكونوا أخوة، ولهم أولاد وأخوات وآباء كلهم يقول الشعر، قيل لهم: بيت. قال الحسن البصري: إن أمرء لا يعد بينه وبين آدم ﵇ أبًا حيًا لمعرق له في الموت. وتقول العرب: إن فلانًا لمعرق له في الحسب والكرم أو اللؤم. ويقال: إن فلانًا لمعرق له في القتل، إذا توالت له آباء كلهم قتلوا، مثل عبد الله ومصعب إبني الزبير بن العوام. قل عبد الله ومصعب إبنا الزبير يوم ذات نكيف، وقتل العوام يوم الفجار، وقتل الزبير يوم الجمل، وقتل مصعب وابنه بالعراق، وقتل عبد الله بمكة. فعبد الله معرق له في القتل. وكذلك علي بن الحسين بن علي ﵈.
ومن الشعراء المعرقين
العوام بن المضرب، وهو عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى. كل هؤلاء شعراء خمسة في نسق، وبينهم من إخوتهم وأولادهم شعراء أيضًا. فالعوام معرق، وأبو سلمى بيت.
نسب أبي سلمى
ومن قال الشعر من ولده، وولد ولده، وولد ولد ولده
وذكر ما يستدل ببعض أشعارهم عليهم أبو سلمى: اسمه ربيعة بن رياح بن قرط بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور. كان أبوو سلمى يقول الشعر، وابناه زهير وأوس، وابنته خنساء. ومن ولد زهير: بجير وكعب. ومن ولد كعب عقبة. ومن ولد عقبة شبيب والعوام وسيف. فالعوام هو الشاعر من ولد عقبة. وزهير وكعب هما الشاعران المذكوران. فمن شعر أبي سلمى، رواه حماد الراوية، وإن كان ضعيفًا:
1 / 7
ولنا بقدسٍ فالبقيعُ إلى اللوى ... رجعٌ إذا لهثَ السبنتي الوالغُ
وادٍ، قرارٌ ماؤهُ ونباتهُ ... ترعى المخاضُ به، ووادٍ فارغُ
صعدٌ نحرزُ أهلنا بفروعهِ ... فيه لنا حرزٌ، وعيشٌ رافغُ
الرجع: المطر، والسبنتي: النمر، والرافغ: المخصب.
ومن شعر أوس، حيث عرض عليه الإسلام فأبى، رواه أيضًا حماد الراوية:
أحسبتني في الدين تابعةً ... أولوْ حللتُ على بني سهمِ
منعوا الخزايةَ عن بيوتهم ... بأسنةٍ وصفائحٍ خذمِ
ولقد غدوتُ على القنيصِ بسابحٍ ... مثل الوذيلةِ جرشعٍ لأمِ
قيدِ الأوابدِ، ما يغيبها ... كالسيدِ لا ضرجٍ، ولا قحمِ
ومن شعر خنساء بنت زهير:
ولا يغني توق المرءِ شيئًا ... ولا عقدُ التميمِ، ولا الغضارُ
إذا لاقى منيتهُ، فأمسى ... يساقُ به، وقد حقَّ الحذارُ
ولاقاهُ من الأيام يومٌ ... كما من قبل ُلم يخلدْ قدارُ
فأما زهير فأحد فحول الجاهلية. وفحولها أربعة: امرؤ القيس، والنابغة، وزهير، والأعشى. وبالإسناد عن عبد الله الليثي قال: قال عمر بن الخطاب ﵁، في مسيره إلى الجابية: أين ابن عباس؟ قال ابن عباس: فأتيته، فشكا تخلف علي عنه، قال: اولم يعتذر إليك؟ قال: بلى قلت: فهو ما اعتذر به. ثم قال: أما إن أول من ريثكم عن هذا الأمر أبو بكر، إن قومكم كرهوا لكم الخلافة مع النبوة. فقلت: لم؟ ألم تكن خيرًا لهم؟ قال: بلى، لكنهم لو فعلوا كنتم عليهم جخفًا، جخفًا، جخفًا، وهو الفخر والبذخ والتطاول، ثم قال: هل تروي لشاعر السو شيئًا؟ قلت: ومن هو؟ قال: الذي يقول:
ولو أنَّ حمدًا يخلدُ الناسَ خلدوا ... ولكنَّ حمدَ الناس ليسَ بمخلدِ
قلت: ذاك زهير، قال: فهو شاعر الشعراء، قلت: وبم كان ذلك؟ قال: كان لا يعاظل بين الكلام، ولا يتبع وحشية، ولا يمدح الرجل إلا بما يكون في الرجال. وروي عن عمر بن الخطاب ﵁ سأل ابن عباس عن أشعر العرب، فقال: زهير، فقال: بم؟ فقال: بقوله:
لو كان يقعدُ فوقَ الشمسِ من كرمٍ ... قومٌ بأولهم أو مجدهم، قعدوا
قومٌ، سنانٌ أبوهمْ حين تنسبهم ... طابوا، وطابَ من الأولاد ما ولدوا
محسدونَ على ما كان من نعمٍ ... لا ينزعُ الله منهم ما لهُ حسدوا
ومما يتمثل به من شعر زهير:
ومنْ يغتربْ يحسبْ عدوًا صديقهُ ... ومنْ لا يكرمْ نفسهُ لا يكرمِ
ومنْ يجعلِ المعروفَ من دون عرضهِ ... يفرهُ، ومنْ لا يتقِ الشتمَ يشتمِ
ومنْ لا يذدْ عن حوضهِ بسلاحهِ ... يهدَّ، ومنْ لا يظلمِ الناسَ يظلمِ
ومنْ لا يصانعْ في أمورٍ كثيرةٍ ... يضرسْ بأنيابٍ، ويوطأ بمنسمِ
ومنْ هابَ أسبابَ المنيةِ يلقها ... ولو رامَ أسبابَ السماءِ بسلمِ
ومنْ لا يزلْ يستحملُ الناسَ نفسهُ ... ولا يعفها يومًا من الذلِّ يسأمِ
وهذه أبيات يفضلها الرواة، ويكثرون التمثيل بها. ومعنى قوله: ومن لا يظلم الناس يظلم.
فلاؤها هنا صلة، مثل قول الآخر: والطيبان أبو بكر، ولا عمر.
فلا: صلة زائدة. وقول الآخر: من ير يومًا ير به.
وقول الآخر: من لم يكن ذئبًا أكلته الكلاب.
إستذأب الناسُ، فمن لم يكنْ ... في الناسِ ذئبًا أكلتهُ الذئابْ
وأما بجير وكعب ابنا زهير، قال محمد بن سلام: قلت لخلف الأحمر: بلغني أنك تقول: كعب أشعر من زهير! قال: لولا أبيات مديح لزهير كبر أمرهن لقلت ذاك: وكان أخوه بجير أسلم قبله، فشهد مع رسول الله، ﷺ، فتح مكة، وقال في ذلك:
منحناهمْ بسبعٍ من سليمٍ ... وألفٍ من بني عثمانَ وافِ
فرحنا، والجيادُ تجولُ فيهم ... بأرماحٍ مثقفةٍ خفافِ
وفي أكنافهم طعنٌ وضربٌ ... ورشقٌ بالمريشةِ الخفافِ
وشهد أيضًا حنينًا، وكان من خيار المسلمين، وقال في ذلك:
وجلنا جولةً، ثمَّ ارعوينا ... فأمكنا لمن حضرَ الجلادا
وقيل: خرج كعب وبجير إلى النبي، ﷺ، فقال كعب لبجير: الق هذا الرجل، وانظر ما يقول. فتقدم بجير فأسلم. فبلغ ذلك أخاه كعبًا، فقال:
ألا أبلغا عني بجيرًا رسالةً ... على أي شيءٍ ويبَ غيركَ دلكا
1 / 8
على خلقٍ لم تلفِ أمًا ولا أبًا ... عليهِ، ولم تدركْ عليهْ أخًا لكا
سقاكَ أبو بكرٍ بكأسٍ رويةٍ ... وأنهلكَ المأمورُ منها، وعلكا
فبلغت أبياته رسول الله، ﷺ، فأهدر دمه. فكتب إليه بجير بذلك، وقال له: إنه من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، قبل منه، وأسقط ما صدر منه. فأقبل كعب حتى دخل المسجد، فجلس بين يدي رسول الله، ﷺ، وقال: الأمان، فقال: من أنت؟ فقال: كعب بن زهير: فقال: أنت الذي تقول، وسأل أبا بكر عما قال، فأنشد البيت، فقال النبي، ﷺ: مأمون والله. وفي رواية أخرى أن كعبًا أتى أبا بكر فعرفه نفسه، فأتى أبو بكر إلى النبي، ﷺ، فقال: رجل يبايعك على الإسلام، فبسط يده، فقال كعب بأبي أنت مكان العائذ بك، أنا كعب. فتجهمته الأنصار، وغلظت عليه، لما كان ذكر به النبي، ﵇. فأنشد النبي، ﷺ قصيدته المشهورة:
بانت سعادُ فقلبي، اليومَ، متبولُ
حتى بلغ إلى قوله:
نبئتُ أنَّ رسولَ الله أوعدني ... والعفوُ عندَ رسولِ الله مأمولُ
وقال كلُّ خليلٍ كنتُ آملهُ ... لا ألهينكَ أني عنكَ مشغولُ
فقلتُ: خلوا سبيلي لا أبالكمُ ... فكلُّ ما وعدَ الرحمن مفعولُ
كلُّ ابنِ أنثى، وإنْ طالتْ سلامتهُ ... يومًا على آلةٍ حدباءَ محمولُ
إنَّ الرسولَ لسيفٌ يستضاءُ بهِ ... مهندٌ من سيوف اللهِ مسلولُ
في فتيةٍ من قريشٍ قال قائلهم ... ببطنِ مكةَ، لما أسلموا، زولوا
زالوا، فما زالَ إنكاسٌ ولا كشفٌ ... عندَ اللقاءِ، ولا خورٌ معازيلُ
لا يقعُ الطعنُ إلا في نحورهمُ ... وما بهم عن حياضِ الموتِ تهليلُ
فنظر النبي، ﵇، إلى من عنده من قريش، كأنه يومئ إليهم أن اسمعوا، حتى قال:
يمشونَ مشيَ الجمالِ الزهرِ، يعصمهمْ ... ضربٌ إذا عردَ السودُ التنابيلُ
يعرض بالأنصار. فأنكرت قريش ما قال، وقالوا: لم تمدحنا إذا هجوتهم. فقال:
منْ سرهُ كرمُ الحياةِ فلا يزلْ ... في مقنبٍ من صالح الأنصارِ
الباذلينَ نفوسهمْ لنبيهم ... عندَ الهياجِ وسطوةِ الجبارِ
والضاربينَ الناسَ عن أديانهم ... بالمشرفيّ، وبالقنا الخطارِ
صدموا الكتيبةَ يومَ بدرٍ، صدمةً ... ذلتْ لوقعتها رقابُ نزارِ
فكساه النبي، ﷺ، بردة، اشتراها معاوية بعد ذلك بمال كثير. فهي البردة التي كانت يلبسها الخلفاء في العيدين.
وكان الحطيأة راوية لزهير وآل زهير، فقال يومًا لكعب: قد عرفت انقطاعي إليكم أهل البيت، وقد ذهبت الفحولو غيرك وغيري، فول قلت شعرًا تذكر فيه نفسك وتضعني معك موضعًا، فقال:
فمنْ للقوافي شانها منْ يحوكها ... إذا ما ثوى كعبٌ، وفوزَ جرولُ
كفيتكَ لا تلقى من الناسِ واحدًا ... تنخلَ منها مثلما يتنخلُ
فاعترضه مزرد أخو الشماخ فقال:
باستكَ إذ خلفتني خلفَ شاعرٍ ... من الناسِ لم أكفي، ولم أتنخلِ
فلست كحسان الحسام بنِ ثابتٍ ... ولست كشماخٍ، ولا كالمنخلِ
وكذلك يقول الكميت في آخر قصيدته:
فما ضرها أنَّ كعبًا ثوى ... وفوزَ من بعدهِ جرولُ
ومن جيد شعر كعب قوله:
لأي زمانٍ يخبأ المرءُ نفعها ... غدا، فغدا والدهرُ غادٍ ورائحُ
إذا المرءُ لم ينفعكَ حيًا، فنفعهُ ... أقلُّ إذا رصتْ عليهِ الصفائحُ
أخذه أبو العتاهية فقال:
إني رأيتك للدنيا وزينتها ... وما أريدكَ يومَ الدين للدينِ
وأما العوام بن عقبة بن كعب بن زهير فما اختير من شعره من قصيدة كثيرة المحاسن، وهي قوله:
فوالله ما أدري إذا أنا جئتها ... أأبرئها من دائها، أم أزيدها
فلم يبقَض يا سوداءُ نتئٌ أحبهُ ... وإنْ بقيت أعلامُ أرضٍ، وبيدها
سوى نظرةٍ من شبه سوداءَ إذ بدا ... لعينيَّ من أمّ الغزالةِ جيدها
لقد كنتُ جلدًا قبل أن توقدَ النوى ... على كبدي نارًا، بطيئًا خمودها
فلو تركتْ نارُ الهوى لتضرمتْ ... ولكنَّ توقًا، كل يومٍ، يزيدها
وقد كنتُ أرجو أن تموتَ صبابتي ... إذا قدمتْ أيامها وعهودها
1 / 9
فقد حملتْ في حبة القلبِ والحشا ... عهادَ الهوى تولي بشوقٍ يعيدها
من الخفرات البيض ودَّ جليسها ... إذا ما قضتْ أحدوثة، لو تعيدها
حصانٌ من السوءات للشمسِ وجهها ... وللريمِ منها محجراها وجيدها
مرتجةُ الأطرافِ، هيفٌ خصورها ... عذابٌ ثناياها، عجافٌ قيودها
وصفرٌ تراقيها، وحمرٌ أكفها ... وسودٌ نواصيها، وبيضٌ خدودها
مثقلةُ الأردافِ زانت عقودها ... بأحسنَ مما زينتها عقودها
خليليَّ إني اليومَ شاكٍ إليكما ... وهل تنفعُ الشكوى إلى من يزيدها
حزازاتِ شوقٍ في الفؤادِ، وعبرةً ... أظلُّ بأطراف البنانِ أذودها
وتحت مجالِ الصدر حرُّ بلابلٍ ... من الشوقِ لا يدعى لخطبٍ وليدها
نظرتُ إليها نظرةً ما يسرني ... بها حمرُ أنعامِ البلادِ وسودها
إذا جئتها وسط النساءِ منحتها ... صدودًا، كأنَّ النفسَ ليستْ تريدها
ولي نظرةٌ بعد الصدود من الهوى ... كنظرةِ ثكلى قد أصيبَ وحيدها
رفعتُ عن الدنيا المنى غيرَ وجهها ... فلا أسالُ الدنيا، ولا أستزيدها
وهذه الأبيات اخترتها من القصيدة، ومما أطربني، حفظتها فلم أسمع ألطف منها ومن ألفاظها الرقيقة، والمعاني الجزلة الرقيقة.
ومن الشعراء المعرقين
فاطمة ويزيد ابنا سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت. وهؤلاء كلهم شعراء مشهورون، سوى ثابت فإن شعره ضعيف، ليس هو مما يثبت، إنما له البيت والبيتان، فمن ذلك قوله:
ورثنا من البهلولِ عمرو بنِ عامرٍ ... وحارثةَ الغطريفِ مجدًا مؤثلا
مواريثَ من أبناءِ بنت أبن مالكٍ ... وبنت أبن إسماعيلَ، ما أنْ تحولا
وابنته خولة بنت ثابت. وحسان بن ثابت عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، ومات في ايام معاوية. وكانت له ناصية يشدها بين عينيه، وكان يضرب بلسانه أرنبة أنفه، ويكنى أبا الوليد. وأجمع الرواة أم حسانًا أشعر المخضرمين. والمخضرمون: من قال الشعر في الجاهلية والإسلام. وهو شاعر رسول الله، وسماه الحسام. وكان شعره يبلغ من المشركين ما يبلغ السيف الحسام، تى أن أحياء كثيرة اسلمت فزعًا من شعره. وبذلك جاءت الأخبار الصحيحة فيه، وفي عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك. ويقول رسول الله، ﷺ: " المؤمن من جاهد بيده ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما ينضحو لهم بالنبل ". وفي حديث آخر: " لكلام هؤلاء النفر من الأنصار أشد على قريش من نضح النبل، وأن الروح لتحضرهم بالتوفيق ".
وممن أسلم من شعر حسان: الزبعري.
وقيل أشعر المسلمين ثلاثة: عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت. وكان عبد الله يعيرهم بالكفر، وكان كعب يخوفهم الحرب، وكان حسان يقدح في أنسابهم، لأنه يعرف الأنساب معرفة جيدة. ولما ألح أبو سفيان في هجو رسول الله، صلى لله عليه وسلم استأذنه ابن رواحة وكعب في هجائه فسكت.
وأما شعراء المشركين: فعمرو بن العاص، وابن الزبعري، وأبو سفيان بن الحرث. وبالاسناد عن عائشة قال: لما هجا المشركون رسول الله، ﷺ، قال: ألا أحد يجيب عنا؟ قالت: فدعونا عبد الله بن رواحة يعارضهم. فعيرهم بالأيام والوقائع والكفر، فلم يبلغ ما يريد. قالت: فدعونا حسانًا، فأخرج لسانه، فضرب به أرنبة أنفه، وقال: والذي بعثك بالحق، ما أحب أن لي مقولًا به في معد. قال: كيف وأنا منهم؟ قال: اسلك منهم مثل الشعرة من العجين. قال: يا ابا بكر: قم فعلمه تلك الصفات. قالت عائشة: فشفى وأشتفى. وفي رواية أن جبرائيل ﵇ أعان حسانًا بسبعين بيتًا. فهذا تأويل دعاء رسول الله، صلى الله عليه: " اللهم أيد حسانًا بروح القدس "، وقال له: " اهج المشركين، وروح القدس معك ". وفي حديث آخر: لما وفد وفد بني تميم وضع النبي صلى الله عليه لحسان منبرًا فأجلسه عليه.
وفي رواية أن عمر بن الخطاب مر بحسان وهو ينشد في المسجد، فزجره ونهاه، فقال: قد أنشد من كان خيرًا منك، يعني رسول الله.
وقيل: إن الحارث بن عوف أتى رسول الله فقال: أجرني من شعر حسان، فلو مزج البحر بشعره مزجه.
وحسان ممن وجفد على الملوك في الجاهلية، وأخذ الجوائز. ولما احتضر الحطيأة قال: أبلغوا الأنصار أن أخاهم أمدح الناس، حيث يقول:
1 / 10
يغشونَ حتى ما تهرُّ كلابهم ... لا يسألون عن السوادِ المقبلِ
وقوله:
ربَّ علمٍ أضاعهُ عدمُ الما ... لِ، وجهلٍ غطى عليهِ النعيمُ
أخذ هذا المعنى ابن هرمة فقال:
يكادُ إذا ما أبصر الكلبُ ضيفهُ ... يكلمهُ من حبهِ، وهو أعجمُ
ولما نظم حسان قوله:
نسودُ ذا المالِ القليلِ، إذا بدتْ ... مروءتهُ فينا، وإنْ كانَ معدما
أعجب به، فصعد أطمة، ونادى: واصاحباه، فاجتمع قومه إليه، وقالوا: ما وراءك؟ فأنشدهم البيت، فعجبوا كما عجب.
وكان لحسان بنية شاعرة لم تذكر، وقيل: إن حسانًا ارق ذات ليلة، فعن له أن يقول الشعر، فقال:
متاريكُ أذنابَ الأمورِ إذا اعترتْ ... أخذنا الفروعَ، واجتنينا أصولها
ثم أرتج عليه. فقالت له بنته: كأن قد ارتج عليك يا أبتي؟ قال: نعم. قالت: فهل لك أن أجيز عنك؟ قال: وهل عندك ذاك؟ قالت: نعم، قال: فافعلي، فقالت:
مقاتيلُ بالمعروفِ، خرسٌ عن الخنا ... كرامُ يعاطونَ العشيرةَ سولها
فحمي الشيخ فقال:
وقافيةٍ مثلِ السنانِ رزيتها ... تناقلتُ عنها افق السماءِ نزولها
فقالت:
يراها الذي لا ينطقُ الشعرَ عندهُ ... ونعجزُ عن أمثالها أنْ نقولها
ومن أحسن ما سمعت من غرر ابياته:
وكنتَ إذ ما موكبٌ صدَّ موكبًا ... لدى الروعِ، يوم الروعِ، وحدك موكبا
أخذ هذا المعنى أبو تمام فقال:
قليلكمُ يربى على عددِ الحصى ... وواحدكم في الأرضِ، للهِ، عسكرُ
ولدعبل مثل هذا:
ما شكَّ خلقٌ أن فارسنا له ... إقدام جيشٍ لا يرامُ، لهامِ
وقيل: عن سانًا مر بقوم يشربون الخمر فنهاهم، فقالوا: ننتهي؟ وإنما إذا ذكرنا قولك نعود. فقال: وما هو؟ قالوا:
إذا ما الأشرباتُ ذكرن يومًا ... فهنَّ لطيب الراح الفداءُ
ونشربها، فتتركنا ملوكًا ... وأسدًا ما ينهنهها اللقاءُ
فيرغبنا ذلك في شربها.
ذكر عبد الرحمن بن حسان
كان أهدى المقوقس، عظكيم القبط إلى النبي، صلى الله عليه مارية، فولدت له إبراهيم، ووهب لحسان سيرين، فولدت له عبد الرحمن. فبينا عبد الرحمن يلعب مع الصبيان، إذ لسعه زنبور فصاح، فاقبل حسان يسعى، وقال: ما لك؟ قال: لسعني زنبور كأنه برد حبرة. فضمه حسان إليه وقال: قال إبني الشعر ورب الكعبة، وأسلمه إلى المكتب. فهو في المكتب يومًا وقد نقم المعلم على الصبيان، فأدبهم عليه، وأراد تأديبه، فقال:
الله يعلم أني كنتُ معتزلًا
فقال المعلم: وإلا أين كنت؟ قال:
في دار يعقوب اصطاد اليعاسيبا
فبلغ حسانًا، فأقبل يسعى حتى ضمه.
وكان عبد الرحمن يقول: عاش ابي مائة وعشرين سنة، وجدي ثابت مثلها وجد ابي منذر مثلها، وأنا ايضًا أعيش كموا عاشوا. فمات ولم يجاوز الستين سنة.
ومما وجدت من شعر عبد الرحمن:
ذممتَ ولم تحمدْ، وأدركتُ حاجتي ... تولى سواكمْ عرفها واصطناعها
أبى لكَ فعلَ الخيرِ رأيٌ مفندٌ ... ونفسٌ أضاقَ الله بالخيرِ باعها
إذا ما أرادتهُ على الخير مرةً ... عصاها، وإن همت بسوءٍ أطاعها
وله ايضًا:
وإني لأمسي، ثمَّ اصبح طاويًا ... وأكرم نفسي عن دقائقِ المطاعمِ
ومن نوادر أبياته:
إذا أبصرتني أعرضتَ عني ... كأنَّ الشمسَ من قبلي تدورُ
وله أخبار كثيرة يطول شرحها.
ذكر سعيد بن عبد الارحمن بن حسان
ومن شعره:
فإنَّ البلاء مرور اللوات ... تكرُّ على الناس بيضًاًً وسودا
ليالٍ تكرُّ بأيامها ... تزيل عن أهل الجدودِ الجدودا
ومما وجدت من شعر فاطمة بنت سعيد:
سل الخير أهل الخير قدمًا، ولا تسل ... فتىً ذاق طعم العيش منذُ قريبِ
فليسَ يلذُّ الخير إلا امرؤ به ... تغذى صبيًا قبل وقتِ مشيبِ
ومثله لها:
واسألِ الخير، إن سألت، كريمًا ... لم يزلْ يعرف الغنى واليسارا
فقليلُ الكريمِ يكسب فخرًا ... وكثيرُ اللئيم يكسبُ عارا
ومن الشعراء المعرقين
محمد بن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية بن الخطفى. كل هؤلاء شعراء معرقون، إلا عطية، فهو ضعيف، وقل ما يروى نله. وأشعر ولد جرير بلال.
1 / 11
وأما الخطفي فهو حذيفة بن يدر بن سلمة بن عوف، وسمي الخطفي لقوله:
وطول رحال المطي اختلفا ... يرفعن لليل إذا ما أسدفا
أعناقَ حياتٍ، وهامًا رجفا ... وعنقًا، بعد الكلالِ، خيطفا
والخيطف: السريع. ومن شعر الخطفي:
عجبت لإرزاء العييّ لنفسه ... وصمت الذي قد كان بالقولِ أعلما
وفي الصمت سترٌ للعييّ، وإنما ... صحيفة لبِّ المرءِ أن يتكلما
ذكر جرير ولده
وولد جرير: حرزة، وزكرياء، والصفاح، وسوادة، والثبجان، وأمهم خالدة بنت سعد بن أوس. ولها يقول:
تشكت أمُّ حرزة، ثمَّ قالت ... رأيتُ الموردين ذوي لقاحِ
وكذا يقول:
حيوا أمامة، واذركوا عهدًا مضى ... قبل التفرقِ من شماليلِ النوى
وبلال، ونوح، أمهما أم حكيم بنت سعد، من أهل الري، سباها قطري بن الفجاءة، فوقعت في يدي الحجاج، فوهبها لجرير، وفيها يقول:
لقد زدتِ أهل الريّ عندي ملاحةً ... وحببت، أضعافًا، إليَّ المواليا
إذا عرضتْ بالبين منها تعرضت ... لأمِّ حكيمٍ حاجةٌ في فؤاديا
وفيها يقول:
ما استوصف الناس من شيءٍ يروقهمُ ... إلا رأؤا أمَّ نوحٍ فوق ما وصفوا
كأنها مزنةٌ غراءُ رائحةٌ ... أو درةٌ ما يواري ضوءها الصدفُ
وشعراء الاسلام اربعة: جرير، والفرزدق، والأخطل، وكثير. وسئل الأخطل عن نفسه وعن جرير والفرزدق فقال: أنا أمدحهم للملوك، وأوصفهم للخمر، والفرزدق أفخرنا، وجرير أهجانا وأسبنا وأسهبنا. ويقال: الفرزدق ينحت من صخر، وجرير يغرف من بحر.
ومر الراعي في سفر فسمع إنسانًا يغني بشعر جرير:
وعاوٍ عوى من غير شيءٍ رميته ... بقافيةٍ إنفاذها يقطرُ الدما
خروجٍ بأفواهِ الرواةِ كأنها ... قرا هندوانيٍّ، إذا هزَّ صمما
فقال الراعي: لعن الله من يلومني إذا قلت: جرير يغلبني.
وسئل الأخطل عن جرير، فقال: دعوه، فإنه كان بلاء على من صب عليه، وما أخشن ناحيته، واشرد قافيته، والله لو تركوه لأبكى العجوز على شبابها، والشابة على أحبابها، ولقد هزوه فوجدوه عند الهراش نابحًا، ولقد قال بيتًا لأن أكون قلته أحب إلي مما طلعت عليه، وهو قوله:
إذا غضبت عليك بنو تميمٍ ... حسبت الناس، كلهمُ، غضابا
ويقال: إن جريرًا هاجى ثلاثين شاعرًا غلبهم، وأخباره كثيرة مسموعة، وقد تداولتها الألسن، فلا نذكر منها إلا لمعًا، وكذا من أشعاره نذكر ما يتمثل به.
ومن العجب أن أم جرير رأت في نومها كأنها ولدت جريرًا، والجرير: زمام النجيب، من سيور مضفورة، وكان الجرير مطويًا، فجعل أهله يأخذونه فينثرونه ويجعلونه قلائد في أعناق رجال لا تعرفهم. فخبرت أباه بذلك، فقال: لتلدن غلامًا يعد الناس بشر. فلما ولدت جريرًا سألته أن تسميه جريرًا، فكان منه ما كان.
وقال جرير: لا يقال للشعر شعرًا إلا أن يكون بعضه أخذًا برقاب بعض.
وقيل لمسلم: أي الشاعرين أفضل، جرير أم الفرزدق؟ فقال: الفرزدق يبني، وجرير يهدم. وقال: بيوت الشعر أربعة: فخر، ومدح، وهجاء، ونسيب. وجرير غلب في هذه كلها. ويريد بالفخر قوله:
إذا غضبت عليك بنو تميمٍ ... حسبتَ الناس كلهمُ، غضابا
ويريد بالمدح قوله:
ألستمْ خيرَ من ركب المطايا ... وأندى العالمينم بطونَ راحِ
ويريد بالهجاء قوله:
فغضَّ الطرفَ إنكَ من نميرٍ ... فلا كعبًا بلغتَ، ولا كلابا
ويريد بالنسيب قوله:
إنَّ العيونَ التي في طرفها مرضٌ ... قتلننا، ثمَّ لم يحيينَ قتلانا
يصرعن ذا اللبِ حتى لا حراكَ به ... وهنَّ أضعفُ خلق اللهِ أركانا
وقيل لبشار: من أشعر الثلاثة؟ فقال: لم يكن الأخطل مثلهما، ولكن ربيعة تعصبت له وأفرطت فيه، وكان لجرير ضروب من الشعر لا يحسنها الفرزدق. ولقد ماتت النوار فكانوا ينوحون عليها بشعر جرير، الذي رثى به أم حرزة، وهو:
لولا الحياء لعادني استعبار ... ولزرت قبرك، والحبيب يزارُ
ولقد أراكِ كسيت أجمل منظرٍ ... ومع الجمال سكينةٌ ووقارُ
لا يلبثُ القرناء إن يتفرقوا ... ليلٌ يكرُّ عليهمُ ونهارُ
وقوله:
فإن أكُ مجفوًا فأخسر صفقتي ... وإن أك متروكًا فللقوسِ منزعُ
1 / 12
ولستُ أخا ذنبٍ فأخشى نكالهُ ... وإن كنتُ ذا ذنبٍ فحلمكَ أوسعُ
وله أيضًا:
يا أيها المولى الذي لم أبتهل ... إلا سألتُ لهُ البقاءَ إلهي
أشكو إليك، وكيف أشكو خلتي ... إلا إليكَ، وأنتَ بابُ اللهِ
وله أيضًا:
غاب عنا فغاب كلُّ سرورٍ ... وأتانا بالبشرِ والترحيبِ
طاويًا بالدنوّ ما نشر البع ... د علينا من الجوى والكروبِ
سافرًا عن أسرةٍ تخجل الشم ... س، وتخزي وجه الزمان القطوبِ
وله أيضًا:
نمَّ في الليل عرفها وسناها ... ووشى حليها فهبَّ الرقيبُ
فخشينا الواشي فقلنا أستري ما ... نمَّ، قال، والقول منها عجيبُ
هب سترت الحليَّ، أو ضوء وجهي ... كيف أخفي نشري، وكلي طيبُ
وله ايضًا:
إذا كنت لا أقري الضيوف وأخرق ... وأغني كلَّ عافٍ ومدقعِ
وإلا فبدلتَّ القناة بمغزلٍ ... وسرجي بخدرٍ، واللئامَ ببرقعِ
ذكر أم غيلان بنت جرير
تزوج حبيب الرياحي أم غيلان. وكان لها ابن عم يدعى جعدًا، قد خطبها، فأبى جرير أن يزوجه. فجعل جعد وابن عم له يكنى أبا موزون يقعان في زوجها، ويزعمان أنه عنين، فقال:
أصبح جعدٌ وأبو موزون ... يرمون قسطاطي بالظنونْ
ما ساق خمسًا قبلهُ عنين ... يسأل في المهرِ ويستدينْ
فسمع جرير الشعر، فقال: هذا شعر أعرفه.
ذكر بلال بن جرير
له يرثي أباه جريرًا:
إني رأيتُ جريرًا يوم فارقنا ... أبكى ربيعة، وأختلتْ له مضرُ
باتَ المحامي عن الأحساب قد علموا ... والمحرزَ السبقَ لما أعظم الخطرُ
إما ثويتَ مقيمًا فوقَ رابيةٍ ... فقد مضت لك أيامٌ لها غررُ
قد كان في الحرب ليثًا ذا مزابنةٍ ... شعبًا إذا استحصدت، من حربه، المررُ
وكان يكوي ذوي عرٍّ فيبرئهم ... وكان يعفو كثيرًا، وهو مقتدرُ
وربَّ داعٍ دعا في الكيل أطلقه ... والخطو من قيده في الخطو مقتصرُ
وباب ملكٍ نفعت النازلين به ... والبابُ ممن يردُّ الباب محتصرُ
فأنعى جريرًا إلى الأخلافِ إذْ نزلوا ... وللأرامل لما أخلفَ المطرُ
ويقول جامع هذا الكتاب: إني مجب بهذه القطعة، وهذا، والله، الشعر.
وولد بلال عقيل
قال عقيل: سمعتني إعرابية وأنا أنشد شعرًا:
وكم ليلة قد بتها غير آثمٍ ... بمهضومةٍ الكشحينِ، ريانةِ القلبِ
فقالت لي: هلا أثمت أدينًا أم عنينًا؟ وقال في رجل حلف يمينًا كاذبة:
لا حلف يقطع حقَّ خصمٍ شاغبٍ ... إلا كحلف عبيدةَ بن سميدعِ
أمضى اليمين على الغموس لجاجةً ... عضَّ الجموحِ على اللجامِ المقدعِ
وعمارة ولد عقيل بن بلال
وكان عمارة اشعر ولد جرير، وهو غزير الشعر، كثير التصرف، وأخذ عنه ابن الأعرابي وابن السكيت. ومن شعره:
أرى الناسَ طرًا حامدين لخالدٍ ... ومأكلهم أفضت إليه صنائعهُ
ولن يترك الاقوام أن يحمد الفتى ... إذا كرمت أخلاقه وطبائعهُ
فتى أمعنت ضراؤهُ في عدوهٍِ ... وخصت وعمت في الصديق منافعهُ
فأخذ هذا المعنى أبو هفان، فمدح به ابن ابي دواد، فقال:
ما لي إلى ابن أبي دؤادٍ حاجةٌ ... تحدو إليه، ولا له عندي يدُ
إلا يدٌ عمت فكنت كواحدٍ ... ممن يعين على الثناء ويسعدُ
نال البعيدَ عرفه، فشكرته ... والحرُّ يشكرُ أن ينال الأبعدُ
وقال أيضًا:
وكم قد رأينا من كهامٍ، وجفنه ... حديدٌ، ورثّ الغمد، وهو جديدُ
ومغتمضٍ في العين صدق ٍلقاؤهُ ... ومن مالئٍ للعين وهو بليدُ
وشبيه بهذا المعنى:
خلائقُ المرءِ في الدنيا تزينهُ ... ما إن يزينه طولٌ ولا عظمُ
قد يخلفُ المرءُ، والمرآةُ معجبةٌ ... وقد يسودُ الفتى في كشحهِ هضمُ
ومثله:
وقد يعجزُ المرءُ السمينُ عن العلى ... وقد يمنعُ الضيمَ الفتى وهو أعجفُ
وله وقد أسن:
كبرتُث ودقَّ العظمُ مني، وقني ... بنيَّ، وأجلتْ عن فراشي القعائدُ
وأصبحتُ أعمى لا أرى الشمسَ بالضحى ... تعيرني بين البيوتِ الولائدُ
وأكثر هجري أهلُ بيتي ومنزلي ... وبتُّ كأني منهمُ متباعدُ
1 / 13
وقد كنتُ أغدو في رضاهم كأنني ... من الطير أقنى ينفضُ الطلَّ صائدُ
ولن تلبثَ الأيامُ شيئًا طلبتهُ ... وسودُ الليالي المخلداتُ الجدائدُ
ذهبنَ بإسحاقَ الجوادِ مع الذي ... ببغدادَ صادتهُ المنايا الصوائدُ
يعني إسحاق بن إبراهيم المصعبي، وكان امتدحه فوهب له خمسين ألف درهم.
وقيل لعمارة بعدما عمي: أيما أشعر أنت أبو أبو تمام؟ فقال: أبو تمام، فقيل له: إنك لأشعر منه، فقال: أنا لا أجيد إلا في وصف النؤي والأثافي والديار، وأبو تمام يقول:
لولا العيونُ، وتفاحُ الخدودِ، إذًا ... ما كان يحسدُ أعمى منْ له بصرُ
فما اشتهيت أن أكون بصيرًا إلا مذ سمعت هذا البيت.
ولعمارة لما دخل بغداد:
ترحلْ، فما بغدادُ دارَ إقامةٍ ... وما عندَ منْ أضحى ببغدادَ طائلُ
محلّ ملوكٍ سمنهمْ في أديمهم ... فكلهمُ من حلةِ المجدِ عاطلُ
إذا غطمطَ البحرُ الغطامطُ ماؤهُ ... فليسَ عظيمًا أن تفيضَ الجداولُ
قوله: سمنهم في أديمهم: كما يقال: سمنهم في عجينهم، أي ما يغذي فضلة.
وأنا أقول: قاتله الله، لو شاهد هذه الأيام المستنصرية، وهذه المواهب التي عمت البرية. ولقد أجاد من قال في هذا العصر المذهب والزمان الفسيح المذهب:
أقمْ في ذرى بغدادَ، تلقَ إمامها ... مليكًا عليه للنبيِّ دلائلُ
عجبتُ وقد أضحتْ أياديهِ أبحرًا ... وليس لها إلا النوال سواحلُ
وفي أهل بغدادَ الكرامِ ثلاثةٌ ... لهم محتدٌ في المكرماتِ، ونائلُ
وزيرٌ سما فضلًا، وأستاذُ دارها ... حليفُ الندى، وابنُ الدوامي عادلُ
ثلاثةٌ أجوادٍ، لو أفتخرتْ بهم ... تميمٌ وتيمٌ باهلوا وتطاولوا
ولعمارة أيضًا:
إذا ما سقى الله البلادَ فلا سقى ... بلادًا بها الميدانُ برقًا ولا رعدا
فيا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً ... على صدرٍ منها، كما جئتها وردا
ومن الشعراء المعرقين
متوج بن محمود بن مروان بن أبي الجنوب بن موان بن يحيى بن ابي حفصة، واسمه يزيد. فكل هؤلاء شعراء. فمتوج معرق، وأبو حفصة بيت، ولهم من ولدهم شعراء لا يحصى لهم عدد، ونذكر العمود بن أبي حفصة إلى متوج.
ومن شعر يحيى بن ابي حفصة يرثي عبد الملك بن مروان:
إنَّ المنايا لا تغادرُ حاسرًا ... يشي بثوبيهِ، ولا ذا جنهْ
إنَّ المنايا لو تغادرُ واحدًا ... كان الخليفةُ ناجيًا منهنهْ
بكتِ المنابرُ يومَ ماتَ، وإنما ... تبكي المنابرُ فقدَ فارسهنهْ
قد كان حلمكَ كالجبالِ رزانةً ... بل لو يوازنهنَّ مالَ بهنهْ
وله حين خرج يزيد بن المهلب:
لا يصلح الناس إلا السيف إن فتنوا ... لهفي عليكَ ولا الحجاج للدينِ
لو كان حيًا لحي الأزد إذ فتنوا ... لم يحص قتلاهم حسب دارينِ
وأما أبو السمط مروان الكبير، كان أبو عمرو الشيباني يقول: ختم الشعر بمروان. ودون شعر القدماء، نفلما انتهى إلى شعر بشار لم يكتبه، واستخار عليه شعر مروان.
وكان مروان أبعد المحدثين من السخف، وأصلحهم مبالغة في المدح.
فمن أحلى قصائده التي اشتهر بها، وأعلى المهدي قدره وقرب مجلسه ووفر له العطاء، ولم يعط شاعر ما أعطي، فهي قوله:
طرقتكَ زائرةٌ فحيِّ خيالها ... بيضاءُ تخلطُ بالحياءِ دلالها
فلما أنشدها المهدي قال له: كم بيت؟ قل: مائة بيت، فأمر له بمائة ألف درهم، وقال له: لو زدتنا زدناك.
ومن القصيدة:
ما زالَ ينصبُ للهواجرِ وجههُ ... ويخوضُ في ظلم الدجى أهوالها
حتى إذا وردت أوائل ُخيلهِ ... جيحانَ، بثَّ على العدوِّ رعالها
وقال مروان لخلف الأحمر: إسمع شعري وأصدقني عنه، قال: هات، فأنشده طرقتك زائرةفحي خيالها، فلما بلغ إلى قوله: حتى إذا وردت أوائل خيله قال: لأنت أشعر من الأعشى في قوله:
رحلتْ أميمةُ غدوةً أجمالها
وفي هذه القصيدة يقول بالميراث للعباس:
حسدتكمُ ميراثَ أحمدَ عصبةٌ ... لم ينهَ أهلُ حلومها جهالا
أسفوا لأنْ نالَ الوراثةَ دونهم ... عمُّ النبيِّ، وبالفريضةِ نالها
قلْ للذين على الخلافةِ شايحوا ... ليفتحوا بمناهمُ أفقالها
1 / 14
قد طالَ ما شغلَ الوراثةَ عنهمُ ... أربابها، فدعوا المنى وضلالها
كشفَ الكتابُ عن العيونِ غطاءها ... وشفى الصدورَ، ونورهُ أشفى لها
شهدتْ، من الأنفالِ، آخرُ آيةٍ ... بتراثهم، فأردتمُ إبطالها
هل تطمسونَ من النجومِ لجومها ... بأكفكم، أمْ تسترونَ هلالها
أو تسترونَ مقالةً عن ربكم ... جبريلُ بلغها النبيَّ فقالها
له في مثل ذلك:
يا ابن الذي ورثَ النبيَّ محمدًا ... دونَ الأقاربِ من ذوي الأرحامِ
الوحيُ بين بني البناتِ وبينكم ... قطعَ الخصامَ، فليس حين خصامِ
أنى يكونُ، وليسَ ذاك بكائنٍ ... لبني البناتِ وراثةُ الأعمامِ
أخذ هذا المعنى من قول طاهر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، حيث يقول للطالبيين:
لو كان جدكمُ هناكَ وجدنا ... فتسارعا فيهِ لوقتِ خصامِ
كان التراثُ لجدنا من دونهِ ... فحواهُ بالقربى بالإسلامِ
حقُّ البناتِ فريضةٌ معلومةٌ ... والعمُّ أولى من بني الأعمامِ
وله حين سئل عن جرير والفرزدق والأخطل:
ذهبَ الفرزدقُ بالفخارِ، وإنما ... مرُّ القصيدِ وحلوهُ لجريرِ
ولقد هجا فأمضَّ أخطل تغلبٍ ... وحوى النهى بمديحهِ المشهورِ
كلُّ الثلاثةِ قد أبرَّ، فمدحهُ ... وهجاؤهُ قد سارَ كلَّ مسيرِ
ولقد جريتُ ففتُّ غيرَ مقصرٍ ... بجراء لا حصرٍ، ولا مبهورِ
إني لآنفُ أنْ أجيزَ بمدحهِ ... أبدًا لغيرِ خليفةٍ ووزيرِ
ما ضرني حسدُ اللئامِ، ولم يزلْ ... ذو الفضلِ يحسدهُ ذوو التقصيرِ
وكان مروان شاعرًا للهادي وللمهدي وللرشيد، وكان وصوله إلى المهدي من أطرف ما يحكى. وذاك أنه قصد باب المهدي، وتمسك بوزيره يعقوب بن داود، وأقام سنة لم يوصله. واتفق أن المهدي قبض على يعقوب، وبقي مروان حائرًا. فهو في بعض الأيام على باب المهدي إذ خرج إليه يزيد بن منصور الحميري، وقال: يا ابن ابي حفصة إن أمير المؤمنين ذكرك آنفًا وقال أنصرف عن بابي، ولا حاجة لي في شعرك. قال: فانصرفت وأنا مغموم. ثم تذكرت رجلًا كنت أشكو إليه همومي، واستريح إليه، فجئته، فدلني على يزيد بن مزيد، فشكوت إليه الحال، فقال: أدلك على رجل صدوق الحديث، له رقة، عساه ينفعك، فقلت: ومن هو؟ قال: الحسن الحاجب. فغدوت إليه، فشكوت حالي، فقال: اعمل قصيدة، وعرض بذكر يعقوب، واهجه فيها. فقلت قصيدتي التي أقول فيها:
أتاني عن المهديِّ قولٌ كأنما ... به أحتزَّ أنفي، من ذوي الضغنِ، جادعُ
فقلتُ، وقد خفتُ التي لا شوىً لها ... بلا حدثٍ: إني إلى الله راجعُ
فما لي إلى المهديّ، إنْ كنتُ مذنبًا ... سوى حلمهِ الضافي على الناسِ، شافعُ
هل البابُ مفضٍ بي إليكَ ابنَ هاشمٍ ... فعذريَ، إنْ أفضى بيَ البابُ، أوسعُ
أثبتَ أمرأً طلقتهُ من وثاقهِ ... وقد أنشبتْ في أخدعيهِ الجوامعُ
وقال في قصيدة أخرى:
سيحشرُ يعقوبُ بن داودَ خائنًا ... بلوحِ كتابٍ، بين عينيه كافرُ
خيانتهُ المهديَّ أودتْ بذكرهِ ... فأمسى كمن قد غيبتهُ المقابرُ
بدا منك للمهديِّ، كالصبحِ ساطعًا ... من الغشِّ، ما كانتْ تجنَّ الضمائرُ
وهل لبياضِ الصبح، إنْ لاحَ ضوءهُ ... فجابَ الدجى، من ظلمة الليلِ ساترُ
أمنزلةً فوقَ التي كنتَ نلتها ... تغاطيتَ، لا أفلتَّ مما تحاذرُ
وما زلتَ ترقى فوقَ قدركَ صاعدًا ... بأفككَ، حتى قيلَ: يعقوبُ ساحرُ
قال: ثم أتيت بهما الحسن بعد يومين، ودفعتهما إليه فقال: لست واضعهما حتى أضعهما في يد المهدي. ففعل ذلك، وقرأهما على المهدي. فمضيت إليه وسألته عن الحال، فقال: لما قرأهما المهدي رق لك، وأمرني بإحضارك إليه، فاحضر يوم الاثنين. فحضرت الباب، فخرج وقال: قد علم أمير المؤمنين مكانك، ولقد احب أن يجعل لك يومًا يشرفك فيه، ويشهرك، ويبلغ بك شأوًا. فقلت: ومتى يكون؟ قال: يوم الخميس تحضر. فحضرت، فإذا وجوه بي هاشم يدخلون. فلما غص المجلس دعاني، فدخلت، فسلمت بالخلافة، فرد علي السلام، وقال: إنما حبسناك من الدخول لانقطاعك إلى الفاسق يعقوب. فخدمت وافتتحت النشيد مما قلت في يعقوب. ثم انشدته قولي:
1 / 15
طرقتكَ زائرةٌ فحيَّ خيالها
فأعجب به وقال: جزاك الله خيرًا، فقلت: اشهدوا أن أمير المؤمنين دعا لي. ثم أنشدته:
أعادكَ من ذكر الأحبةِ عائدُ
فلما صرت إلى قولي:
أيادي بني العباسِ بيضٌ سوابغٌ ... على كلِّ قومٍ بادياتٌ عوائدُ
همُ يعدلونَ السمكَ من قبة الهدى ... كما يعدلُ البيتَ الحرامَ القواعدُ
كأنَّ أميرَ المؤمنينَ محمدًا ... برأفتهِ بالناسِ، للناس والدُ
أشار بيده: امسك. فمسكت. ثم قال: يا بني العباس، هذا شاعركم المنقطع إليكم، فأعطوه ما يسره. فقلت: فداك أبي وأمي إذا علموا رأي امير المؤمنين في فذاك الفرض. فقال: إني فارض لك عليهم مالًا. ففرض على ابنه موسى بخمسة آلاف درهم، وعلى ابنه هارون مثلها، ثم فرض على القوم على أقدارهم، حتى فرض سبعة وثلاثين ألف درهم، والربيع يكتب، فاستكثر الربيع ذلك، فقال: ولك من الربيع مثل ذلك، فصار المال ستين الفًا. فدعوت وشكرت وقمت بأسر ما يكون، فقلت: هل لأمير المؤمنين أن يجعل هذه الصلة غير مكدرة سؤال غيره؟ قال: نعم، وكتب بها توقيعًا لا أحتاج فيه إلى سؤال أحد أو شفاعة. فخرجت، فلما صرت خلف الستر تبعني خادم ومعه منديل فيه أربعة أثواب من أفخر الثياب، وجبة وقميص من ملابسه الشريفة، وقال: ألبسوه وأعيدوه إلي. فلبست الثياب وعدت إليه. فلما رآني تبسم، ودعا بطيلسان، فنشر ووضع علي بين يديه، وأمر لي بعشرة من الخدم، وضيعة ساجية السواد، وخيل فبعت الضيعة لعيسى بن موسى بعشرين الف درهم وفرس مكمل العدة.
ولم يزل مروان بباب المهدي حتى هلك، فقال يرثيه:
لقد أصبحتْ تختالُ في كلِّ بلدةٍ ... بقبرِ أميرِ المؤمنينَ المقابرُ
أتتهُ التي ابتزتْ سليمان َملكهُ ... وألوتْ بذي القرنين منها البوادرُ
أتتهُ فغالتهُ المنايا، وعدلهُ ... ومعروفهُ في الشرقِ والغربِ ظاهرُ
فلما قام موسى الهادي ولده مدحه، وقال من جملة مدحه:
بسبعينَ الفًا شدَّ ظهري وراشني ... أبوكَ، وقد عاينتَ من ذاك مشهدا
وإني، أميرَ المؤمنينَ، لواثقٌ ... بأنْ لا أرى شربي لديكَ مصردا
فلما أنشده ذلك قال: ومن يبلغ مدى المهدي؟ ولكنا نبلغ رضاك.
فعاجلت موسى منيته قبل أن يعطي مروان جائزته. فلما مات رثاه، وهنأ هارون فقال:
أيا يومَ الخميسِ ملأتَ حزنًا ... وتبريحًا قلوبَ المؤمنينا
خميسٌ كان أولهُ بكاءً ... وآخرهُ يسرُّ المهتدينا
لئنْ جاءَ الخميسُ بما كرهنا ... لقد جاءَ الخميسُ بما هوينا
أبو إسحاق ماتَ ضحىً، فمتنا ... وأمسنا بهارونٍ حيينا
وهذا معنى مستملح.
فلما قام هارون مدحه فأجزل صلته، ومضى إلى اليمامة وعاد، فأقام بباب الرشيد حتى مات سنة إحدى وثمانين، ودفن ببغداد في مقبرة نصر بن مالك. ومن صلات الرشيد له مائة ألف وألف درهم.
ذكر مروان الأصغر
شهر مروان هذا في زامن المتوكل، وتقدم على نظرائه. وسبب ذلك أنه كان يسفه رأي العلويين، الذين يخرجون على بني العباس. ولم يمدح الواثق، وإنما المتوكل أرسل أحضره من اليمامة. ولما دخل على المتوكل أنشده قصيدته التي منها:
أنا ابنُ الذي اشجى عداكم بمدحه ... وما زاركمْ من شاعرٍ، بعدهُ، مثلي
طلبتمْ، بني البنتِ، التراثَ بأمكمْ ... وذاك لكم داعٍ إلى البتلِ والشكلِ
أبو طالبٍ أولى بكمْ من محمدٍ ... إذا نسبَ الأقوامُ، في الجدِّ والهزلِ
فلما فرغ من انشادها أمر المتوكل، فنثر عليه ثلاثمائة ألف دينار، وأمره بالجلوس، وأمر ولاة العهود الثلاثة: المنتصر والمعتز والمؤيد أن يلتقطوها فيجعلوها في حجره. وعقد له على اليمامة والبحرين وطريق مكة. وحسدته الشعراء على مكانه من المتوكل، وهجاه خلق عظيم واستبردوا شعره. فمن ذلك قول الشافعي:
كزَّ أبو السمط بأشعارهِ ... فصارَ، من إنشادهِ، ميتا
فمنْ أرادَ الموتَ مستصلحًا ... فليرو، من أشعارهِ، بيتا
وللجماز فيه:
رأينا البردَ مشتدًا ... فسائلتُ عن القصهْ
فقالوا: إنما أنش ... دَ شعرُ ابنِ أبي حفصهْ
وهجاه البحتري وعلي بن الجهم، بسبب أنه كان يعرض بذكر علي وولديه ﵈ فمما هجاه به البحتري:
1 / 16
ولو أعطاكَ ربكَ ما تمنى ... عليهِ، لزادَ في عظمِ الأمورِ
لأيةِ علةٍ تهجو عليًا ... بما لفقتَ من كذبٍ وزورِ
أمالكَ في استكَ الوجعاءِ شغلٌ ... بكفكَ عن أذى أهلِ القبورِ
وأما علي بن الجهم، فكان يهجوه أبو السمط، وابن الجهم يصون نفسه عن هجائه، غير أنه كان يضع من يهجوه. ولما مدح ابن الجهم المتوكل بقصيدته التي أولها:
الله أكبرُ، والنبيُّ محمدٌ ... والحقُّ أبلجُ، والخليفةُ جعفرُ
قال ابو السمط:
أرادَ عليٌ أنْ يحوكَ قصيدةً ... بمدحِ أميرِ المؤمنينَ، فأذنا
فقلتُ له: أذنتَ سرًا، فلا تقمْ ... فلستُ على طهرٍ، فقال: ولا أنا
فلما لح في الهجاء لعلي قال فيه:
بلاءٌ ليسَ يشبههُ بلاءٌ ... عداوةُ غيرِ ذي حسبٍ ودينِ
يبيحكَ منه عرضًا لم يصنهُ ... ويرتع منكَ في عرضٍ مصونِ
وكان لأبي السمط ولد يقال له محمود وقد ذكرناه في النسبة، أعطاه المتوكل موضع أبيه، فقال في ذلك:
قد باركَ الله في شعري وشعر أبي ... والله منَّ على أهلِ اليمامةِ بي
قد باركَ الله في شعرٍ، وليتُ بهِ ... طرقَ الحجيجِ، وولاني على العربِ
أنا المؤدبُ حقًا، إنما أدبي ... ضربُ الرقابِ، وليسَ السوطُ من أدبي
كم من فوارسِ قومٍ قد تركتهمُ ... بالمشرفيةِ فرسانًا على الخشبِ
تلقى اللصوصَ على الأقتابِ مقعيةً ... ومن فلحتُ به أقعى على الذنبِ
ذكر متوج بن محمود بن مروان بن أبي الجنوب بن مروان
قال يمدح الموفق، ويصف قتل العلوي، وكيف صار الجند إليه في المراكب:
ولما أقاموا البحرَ خندقَ خصمهم ... وظنوا بأنَّ البحرَ مركبهُ صعبُ
أقمتَ الشذا خيلًا، وسرتَ إليهمُ ... عليها، كأنَّ البحرَ مسلكهُ سهبُ
خيولٌ يحلُّ الماء مدةَ عمرها ... وليسَ لها أكلٌ، وليس لها شربُ
إذا أسرجوها يركبونَ بطونها ... فما إنْ لها لجمٌ، وما إنْ لها ركبُ
تسيرُ مكانًا تعجزُ الخيلُ سيره ... وما عندها خطوٌ، وما عندها وثبُ
إذا عطفوها في ليالٍ تعطفتْ ... وإنْ عطفتْ بالضربِ، لم يثنها الضربُ
فتجري، وبين الجوِّ والأرضِ جريها ... وإنْ باشرتْ أرضًا فحينئذٍ تكبو
قطعتَ عليها البحرَ، والبحرُ زاخرٌ ... وقد سفرتْ للموتِ، عن وجهها، النقبُ
بفتيانِ إقدامٍ وفتكٍ، كأنما ... لكل فتىً في كل جارحةٍ قلبُ
وهذا بيت نادر، وهو مأخوذ من قول من قال:
فمروا وكلٌّ مسمئتٌّ كأنهُ ... إلى أنْ يلاقي حتفَ ميتتهِ صبُّ
ثم قال:
فدارتْ كؤوسُ الموتِ فيهم كأنما ... كؤوسُ مناياهم لهم مشربٌ عذبُ
فما رجعوا إلا برأسِ عميدهم ... قد اقتضبتهُ منه هنديةٌ قضبُ
فإنْ كانَ قلبٌ للقناةِ فقد غدتْ ... قناتكَ فيها رأسه، أبدًا، قلبُ
وإنْ كانَ للأفلاكِ قطبٌ يقيمها ... فللأرضِ أنتمْ، في خلافتكم، قطبُ
ذكر من قال الشعر من ولد ابن ابي حفصة
منهم إدريس. له يرثي إسحق بن إبراهيم الموصلي:
سقى الله يا ابنَ الموصلي بوابلٍ ... من الغيثِ قبرًا أنت فيه مقيمُ
ذهبتَ فأوحشتَ الكرامَ، فما يني ... بعبرته يبكي عليك كريمُ
إلى الله أشكو فقد إسحق إنني ... وإن كنت شيخًا، بالعراق يتيمُ
وله أيضًا:
قد تولى النهارُ، واشتبكَ اللي ... لُ، خليليَّ، فاشربا واسقياني
قهوةً تتركُ الفقيرَ غنيًا ... حسنَ الظنِّ، واثقًا بالزمانِ
ومنهم محمد بن إدريس "، وكان له شعر فيه تعسف. ومنه:
لما زمخنا، دونَ فهرٍ، زمخا
زخَّ بنا الله الأعادي زخا
فلم ندع من جمع قومٍ قلخا
إلا ملخنا الرأسَ منه ملخا
رستْ أواخي مجدنا ولخا
في الأرضِ حتى لم نجدْ مصخا
بنى لنا عادية لا تلخا
عزًا قداميًا، ومجدًا بلخا
لو زاحما دمخًا أزالا دمخا
إنَّ لنا وبلًا وسيلًا جلخا
وعددًا جم الحصى وبذخا
نشدخُ منهم، منْ أردنا، شدخا
ولو نفخنا الناس طاروا نفخا
1 / 17
ومنهم آمنة بنت الوليد بن يحيى بن أبي حفصة. كانت زوجة مروان بن سليمان، وهي أم أبي الجنوب والسمط، فبلغها أن معن بن زائدة وهب لمروان زوجها جارية، فتسراها، وقد كان حلف لها مروان أنه لا يتخذ صاحبة حتى يرجع إليها، فكتبت إليه:
أبا السمطِ إنْ كانت أحاديثكَ التي ... أتتنا يقينًا، فاثبتِ، الدهرَ، في اليمنْ
حلفتَ بأيمانٍ غلاظٍ، فخنتنا ... ولو كنتَ تخشى الله، بالغيبِ، لم تخنْ
وكان سبب هذه الجارية أنه لما قدم على معن بن زائدة اليمن، وأحسن قراه، وأكرم مثواه، واجزل صلته، طلب المقام عنده. فلما طال عليه المقام كتب إليه:
منْ مبلغٌ معنًا، حليفَ المجدِ ... أني من الليل أبيتُ وحدي
أبيتُ كالسيفِ الحسامِ الفردِ ... لا خودَ، إلا ما حلمتُ، عندي
كلٌّ يواري سيفهُ في غمدِ ... أحلفُ بالله يمينَ الجهدِ
ما مسَّ جلدًا، مذْ قدمتُ، جلدي ... إلا منىً، في مرقدي، لا تجدي
ويروى عن أبي السمط أنه قال: دخلت على الأمير عبد الله بن طاهر، فقال لي: إني بت البارحة قلقًا أرقًا بتذكري ذا اليمينين، فارثه لي في مقامك هذا بأبيات تجعل لي لذكره طريقًا سهلًا. فوقفت ساعة، ثم قلت:
إنَّ المكارمَ إذ تولى طاهرٌ ... قطعَ الزمانُ يمينها وشمالها
إنَّ المنايا لو يبارزُ طاهرًا ... لاقتْ، بوقعِ سيوفهِ، آجالها
أرسى عمادَ خلافةٍ من هاشمٍ ... ورمى عمادَ خلافةٍ، فأزالها
بكتِ الأسنةَ طاهرًا، لما رأت ... روى النجيعُ بسيفهِ أنهالها
ليت المنون تجانفت من طاهرِ ... ولوتْ بذورة من تشاجى لها
ما كنتُ، لو سلمتْ يمينا طاهر ... أرزا، ولا أسلُ الحواث ما لها
فأمر لي بخمسة آلاف درهم، وقال: ربحنا عليك وخسرت علينا. وثم اعطاه في اليوم الثاني مثلها، ثم في اليوم الثالث.
وله أيضًا:
يقولُ أناسٌ: إنَّ مروًا بعيدةً ... وما بعدتْ مروٌ، وفيها ابنُ طاهرِ
وأبعدُ من مروٍ أناسٌ نراهمُ ... بحضرتنا، معروفهمْ غيرُ حاضرِ
عن العرفِ موتى، ما تبالي أزرتهم ... على أملٍ، أمْ زرتَ أهلَ المقابرِ
والبيت الأول كما قال أبو نواس:
واستبعدتْ مصرٌ، وما بعدتْ ... أرضٌ يحلُّ بها أبو نصرِ
ولقد وصلتُ بكَ الرجاءَ، ولي ... مندوحةٌ، لو شئت، عن مصرِ
ومن الشعراء المحدثين الذين هم بيت
رزين بن سليمان بن تميم بن نهشود بن خراش بن خالد بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن مازن بن الحارث. منهم علي بن رزين، ودعبل بن علي، ورزين بن علي، وأبو الشيص محمد بن عبد الله بن رزين، وعبد الله بن أبي الشيص، والحسن بن دعبل.
فأما علي بن رزين فهو مقل من الشعر. ومن شعره:
قد قلتُ، لما رأيتُ الموتَ يطلبني ... يا ليتني درهمٌ في كيس مياحِ
وأما رزين بن علي فمقل أيضًا. أنشد له أخوه دعبل:
أغرى بني جعفرٍ بي أنَّ أمهمُ ... كانت تلمُّ برحلي حين تغتلمُ
قومٌ إذا فزعوا، أو نالهمْ حدثٌ ... كانتْ خصومهمُ الأعراضُ والحرمُ
ذكر دعبل بن علي بن رزين
دعبل أكثر القوم شعرًا، هو وأبو الشيص بحران. واسم دعبل محمد ودعبل لقب، يقال: هو الناقة الهرمة. وقل أحمد بن يحيى: إنه مشتق من الدعابة، أو الناقة السمينة. وكان دعبل، مع جودة شعره وفخامة لفظه، رجلًا ذا همة ونبل في نفسه، ويهجو من الخلفاء فما دون، وكان شعره أكثر من شعر نظرائه. وقيل: كان عند ولده الحسين من شعره ستة مجلدات ضخمة، في كل مجلد ثلاثمائة ورقة، وشعره قليل السقط. وسئل عبد الله بن مسلم عن جيد شعره، فقال: القصيدة القديمة قوله:
أفيقي من ملامكِ يا ظعينا
وهي القصيدة التي يرد فيها على الكميت، في قصيدته التي يقول فيها:
ألا حييتِ عنا يا مدينا
وكان دعبل عالمًا بصيرًا بالغريب والأخبار وأيام العرب، وشعره يدل على ذلك. وكان معاصرًا لأبي نواس ومسلم. وقال دعبل: اجتمعت أنا وأبو الشيص ومسلم وأبو نواس في مجلس، فقال لنا أبو نواس: إن مجلسنا هذا قد شهر باجتماعنا فيه، ولا بد للناس أن يسألوا على ما انعقد وعلى ما انحل، فليأت كل امرئ بأحسن ما قاله. فأنشد أبو الشيص:
1 / 18
وقفَ الهوى بي حيثُ أنتِ فليسَ لي ... متأخرٌ عنهُ، ولا متقدمُ
وأهنتني، فأهنتُ نفسي جاهدًا ... ما من يهونُ عليكِ ممن أكرمُ
أجدُ الملامةَ في هواكِ لذيذةً ... حبًا لذكركِ، فليلمني اللومُ
فجعل أبو نواس يعجب من حسن الشعر. فأنشد مسلم من شعره:
موفٍ على مهجٍ في يومِ ذي رهجٍ ... كأنه أجلٌ يسعى إلى أملِ
تكسو السيوفُ نفوسَ الناكثينَ بهِ ... وتجعلُ الروسَ تيجانَ القنا الذبلِ
فقال أبو نواس: هذا الشعر الذي لم يقل قبلك مثله ولا يقول بعدك. ثم قال له: كأني بك وقد جئتنا بواسطة عقدك. وانشد دعبل:
لا تعجبي يا سلمَ من رجلٍ ... ضحكَ المشيبُ برأسهِ فبكى
أين الشبابُ؟ وأيةً سلكا؟ ... لا أينَ يطلب؟ ُ ضلَّ، بل هلكا
قصرَ الغوايةَ عن هوى قمرٍ ... وجدَ السبيلَ إليهِ مشتركا
فقال: كأنك كنت في نفسي. فسألناه أن ينشد، فأنشد:
لا تبكِ ليلى، ولا تطربْ إلى هندِ ... وأشربْ على الوردِ من حمراءَ كالوردِ
كأسًا إذا انحدرتْ من حلقِ شاربها ... أحذتهُ حمرتها في العينِ والخدِّ
فالخمرُ ياقوتةٌ، والكأسُ لؤلؤةٌ ... من كفِّ لؤلؤةٍ، ممشوقةِ القدِّ
تسقيكَ من عينها سحرًا، ومن يدها ... سكرًا، فما لكَ من سكرينِ من بدِّ
لي نشوتانِ، وللندمانِ واحدةٌ ... شيءٌ خصصتُ بهِ، من دونهم، وحدي
فقمنا، فسجدنا له، فقال: افعلتموها؟ والله لا كلمتكم ثلاثًا، وثلاثًا، وثلاثًا.
ومع ما ذكرنا من غزارة شعر دعبل، فيحسن أن نذكر له الأبيات التي تحتوي على الأمثال، أو تصلح للمذاكرة. فمن شعره إلى المأمون:
أيسومني المأمونُ خطة عاجزٍ ... أوما رأى، بالأمسِ، رأسَ محمدِ؟
نوفي على هام الخلائفِ مثلما ... توفي الجبالُ على رؤوسِ القرددِ
ونحلُّ في أكنافِ كلِّ ممنعٍ ... حتى نذللَ شاهقًا لم يصعدِ
إني من القوم الذينَ همُ همُ ... قتلوا أخاكَ، وشرفوكَ بمقعدِ
شادوا بذكركَ بعدَ طولِ خمولهِ ... واستنقذوكَ من الحضيضِ الأوهدِ
كم من كريمٍ قبلهُ، وخليفةٍ ... أضحى لنا دمهُ لذيذَ المقصدِ
مثل ابن عثمان، ومثل وليدهم ... أو مثل مروانٍ، ومثل محمدِ
وإنما فخر برأس محمد لأن طاهر بن الحسين قتله، وطاهر مولى خزاعة، وكان جده زريق مولى عبد الله بن خلف الخزاعي، وهو أبو طلحة الطلحات، وعثمان سارت إليه اليمانية من مضر، والوليد قتله يزيد بن خالد القسري، ومروان قتله عامر بن إسماعيل.
وقال قتم بن جعفر بن سليمان: بينا أنا في مجلس المأمون، إذ جرى ذكر دعبل، فقال إبراهيم بن المهدي: يا أمير المؤمنين اقطع لسانه واضرب عنقه، قال: ولم؟ قال: لأنه هجاك، قال: وإن هجاني فما أباح الله دمه بهجائي. فقال بعض من حضر: يا أمير المؤمنين، إنه قد هجا إبراهيم، قال: بماذا؟ فأنشده:
أنى يكونُ، ولا يكونُ، ولم يكنْ ... يرثُ الخلافة فاسقٌ عن فاسقِ
إنْ كان إبراهيمُ مضطلعًا بها ... فلتصلحنْ، من بعدهِ، لمخارقِ
فقال المأمون: حسبك. ثم قال: يا ثابت، هل تحفظ ما هجاني به، فقلت: لا والله، فقال: لا بد أن تجيئني بما هجاني به، وإلا رأيت مني ما تكره، وأنا مقيم على ذلك. قال: فانصرفت ولم تكن لي همة إلا تحصيل شيء من ذلك، فحصلت لي القطعة الدالية، فكتبتها في رقعة، وجئت بها، فنظرها وهي بين إصبعي، فقال لي: هذه الورقة حاجة ذاك الرجل؟ فقلت: نعم، فاخذها وقرأها وكررها، ثم لما وصل إلى قوله:
شادوا بذكركَ بعدَ طول خموله ... واستنقذوكَ من الحضيضِ الأوهدِ
قال: يا قوم، رأيتم أظلم من دعبل؟ ومتى رآني هذا الحضيض، وأنا رضيع الخلافة، وما زلت منذ نشأت خليفة، إلا أن القدر صدفها تلك المدة، وكنت مالك البلاد. ثم القى القرطاس، وقال: شأنك، فقد علمنا ما فيه.
وحدث محمد بن موسى الحمال، قال: رأيت دعبلًا عند خشبة بابك، وهو واقف، فقلت: ما تصنع يا ابا علي، فأنشد:
الحمدُ للهِ لا صبرٌ ولا جلدُ ... ولا رقادٌ، إذا أهلُ الهوى، رقدوا
خليفةٌ ماتَ لم يحزنْ له أحدٌ ... وآخرٌ قامَ لم يفرحْ بهِ أحدُ
قد مرَّ هذا، فمرَّ الشؤمُ يتبعهُ ... وقامَ هذا، فقامَ الشؤمُ والنكدُ
1 / 19
عني بما قاله: أن المعتصم مات، وقام الواثق. فقلت: يا هذا أمسك عليك لسانك، فكأني اراك سوف تجني على نفسك جناية، فقال: دعني، فأني أتصدق من ربي خشبة أصلب عليها من عشرين سنة، فما جاد لي بها. ولما قتل الواثق أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي وصلبه، قال دعبل:
بني مالكٍ صونوا الجفونَ عن الكرى ... ولا ترقدوا بعدَ ابنِ نصرِ بن مالكِ
فقد حملتهُ للقبورِ مطيةٌ ... أنافتْ بهاديهِ على شخصِ بابكِ
وسلوا من الأجفانِ كلَّ مهندٍ ... بصيرٍ بضربٍ للطلى متداركِ
يقومُ به للهاشمياتِ مأتمٌ ... له ضجةٌ يبكي بها كلُّ ضاحكِ
تذكرهم قتلى ببدرٍ تنوشهمْ ... سباعٌ وطيرٌ من سباعٍ بواركِ
كما فتكتْ أسيافهمٍ بمحمدً ... وهدتٍ مباني عرشهِ المتماسكِ
فطلَّ دمُ المخلوعِ، وانتهكتْ له ... ذخائرُ من منقوشةٍ، وسبائكِ
فأنْ غصَّ هارونٌ بجرعةِ عمهِ ... فأيسرُ مفقودٍ، وأهونُ هالكِ
وله أيضًا:
نعوني، ولما ينعني غيرُ حاسدٍ ... وغيرُ عدوٍّ قد أصيبتْ مقاتلهْ
يقولون: إن لاقى الردى ماتَ شعرهُ ... وهيهاتَ عمرُ الشعرِ طالت طوائلهْ
وهبْ شعرهُ، إن ماتَ، ماتَ فأينَ ما ... تحملهُ الراوون والخطُّ حابلهْ؟
سأقضي ببيتٍ يحمدُ الناسُ صدقهُ ... ويكثرُ من أهل الروايةِ ناقلهْ
يموتُ رديءُ الشعرِ من قبل موتهِ ... وجيدهُ يبقى، وإنْ ماتَ قائلهْ
ومن معاني دعبل، وإن كانت موجودة، قوله:
وإذا حلمتَ فأعطِ حلمكَ كنههُ ... مستأنيًا، وإذا كويتَ فأنضجِ
وإذا التمستَ دخولَ أمرٍ فالتمسْ ... من قبل مدخلهِ سبيلَ المخرجِ
ومنه قوله:
فلا تحسدِ الكلبَ أكلَ العظامِ ... فعندَ الخراءةِ ما ترحمهُ
تراهُ وشيكًا تشكى آستهُ ... كلومًا جناها عليهِ فمهُ
إذا ما أهانَ امرؤٌ نفسهُ ... فلا أكرمَ اللهُ من يكرمهُ
وأول هذا المعنى لحاتم في قوله:
ونفسك أكرمها، فإنكَ إنْ تهنْ ... عليكَ، فلنْ تلقى لها، الدهرَ، مكرما
وقال زهير:
ومنْ لا يكرمْ نفسهُ لا يكرمِ
ومثل ذلك:
وكان غنيَّ النفسِ أيام فقرهِ ... فصارَ فقيرًا في الغنى، خيفةَ الفقرِ
بخلتَ بما آتاكَ ربكَ خيفةً ... من العسرِ، ويكَ الآن صرتَ إلى العسرِ
ولابن عباد المهلبي:
تجودُ بالمالِ على وارثٍ ... ولا ترى أهلًا لهُ نفسكا
قدمَ حسنَ الظنّ بالله من ... جادَ، وأخطا الظنَّ منْ أمسكا
وله أيضًا:
فأقسمتُ: لا عنْ جفوةٍ، لا ولا قلىً ... ولا مللٍ أبطأتُ عنكَ أبا بكرِ
ولكنني لما رأيتكَ زائرًا ... فأفرطتَ في بري، عجزتُ عن الشكرِ
فملآنَ لا آتيكَ إلا مسلمًا ... أسلم في الشهرين يومًا، وفي الشهرِ
فانْ زدتني برًا تزيدتُ جفوةً ... فلا نلتقي، طولَ الحياةِ، إلى الحشرِ
المعنى مأخوذ من أبي نؤاس:
قد قلتُ للعباسِ معتذرًا ... من ضعفِ شكريهِ، ومعترفا
أنتَ امرؤٌ جللتني نعمًا ... أوهتْ قوى شكري، فقد ضعفا
لا تسدينَّ إليَّ عارفةً ... حتى أقومَ بشكرِ ما سلفا
وقال البحتري:
أخجلتني بندى يديكَ، فسودتْ ... ما بيننا تلكَ اليدُ البيضاءُ
صلةٌ غدتْ في الناسِ وهي قطيعةٌ ... عجبًا، وبرٌ راحَ وهو جفاءُ
وقيل في صفة جولان القوافي:
ألستُ إذا ما قلتُ بيتًا تناوحتْ ... بهِ الريحُ في شرقيها والمغاربِ
يقصرُ للسارينَ من ليلةِ السرى ... ويغدى عليه بالقيانِ الضواربِ
ولدعبل في المعنى:
من كلِّ عابرةٍ إذا وجهتها ... طلعتْ بها الركبانُ كلَّ نجادِ
طورًا يمثلها الملوكُ، وتارةً ... بين الثديِّ تراضُ والأكبادِ
ولمروان بن أبي حفصة:
إني أقولُ قصائدًا جوالةً ... أبدًا تجولُ خوالعًا أرسانها
من كل قافيةٍ إذا أجريتها ... جمحتْ، فلم تملكْ يدايَ عنانها
ولبشار:
ومثلكَ قد سيرتهُ بقصيدةٍ ... فسارَ، ولم يبرحْ عراصَ المنازلِ
رميتُ بها شرقًا وغربًا فأصبحتْ ... به الأرضُ ملآى من مقيمٍ وراحلِ
وما أحسن قول ابن حازم:
1 / 20