ونقول وبالله التوفيق:
إن ما ذكره من قلة الدين قبل ظهور محمد ﷺ دليل ظاهر، وحجة واضحة، وبرهان قاطع على نبوته، وصحة رسالته كما أشرنا إليه فيما تقدم، وذلك أن سنة الله في أوقات فترات الرسالة، وإعراض الناس عما جاءت به الرسل إعذارا منه -تعالى- إلى الخلق، ورحمة بمن أراد به خيرا.
فلما كانت الشرائع قد اندرست قبل مبعث - محمد ﷺ، لتقادم عهدها، وطول زمانها، واختلط بسبب ذلك الحق بالباطل والهدى بالضلال، والصدق بالكذب، وصار ذلك سببا لإعراض الخلق عن العبادات، وأن يقولوا: يا إلهنا قد عرفنا أنه لا بد من عبادتك، ولكنا لا نعرف كيف عبادتك. فلا بد أن يزيح الله عذرهم ببعثة الرسل إليهم.
ولهذا قال -تعالى- في كتابه العزيز: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ .
فخاطب -سبحانه- أهل الكتاب من اليهود والنصارى في هذه الآية بأنه بعث إليهم رسوله محمدا ﷺ على حين
1 / 188