بلى، سيبقى الأميون وأنصاف المتعلمين على الكراسي الرفيعة، أما أصحاب الكفاءات وذوو الشهادات المثقفون فعليهم أن ينتظروا، عليهم أن يظلوا «مهندسي شوارع» إلى أن يبلغ وارثو كل «العهود» الخمسة والستين ... وبعد الستين تصحح تذاكر وتصح أبدان وجيوب، هكذا يتم فينا قول دعبل:
بنات «زياد» في القصور مصونة
وآل رسول الله في الفلوات
16 / 7 / 48
آروم جاك مديري
أصغيت ليلة إلى إذاعة لندن، فسمعت بيانا صادرا عن مديرية الأسماك ... فقلت في نفسي: عجيب! كيف غفلنا عن إنشاء هذه المديرية وفي بحرنا ألف دلفين ومليون حوت ...!
وبعد فليست مديرية الأسماك الإنكليزية شيئا بالقياس إلى مديرية قص علي قصتها أحد «بكوات» لبنان في العهد الحميدي، عاد سعادته من الآستانة فائزا بالرتبة الأولى المتمايزة، فالتحى تشبها برجال الدولة، إلا أنه لم يدع لحيته تركب رأسها، فكان يلملم أذيالها ويهذبها على طراز لحى الصدور العظام، فيبدو أحرى برتبة «أبهتلو» من رتبة «سعادتلو».
كان - رحمه الله - مولعا بأخبار رحلته السطمبولية فلا يحتل صدر المجلس حتى يتحين الفرصة فيقص علينا قصصا طريفة تنبعث العبر من خلال مضحكاتها.
قال: عرفت رجال الدولة: أبا الهدى، عزت باشا العابد، تحسين بك، باشكاتب المابين الهمايوني، وصادقتهم فتغلبت بهم على أولاد الملحمة: حبيب ونجيب وفيليب، ويئست يوما فرحت أتسلى عن تعقد الأمور برؤية جامع آجيا صوفيا، فكنت كيفما التفت تقع عيني على رجل متأنق جدا في ملبسه، ضحوك السن، أراد الله خلقه ذكرا فجاء كالأنثى، كان يتنفش في صحن الجامع كالطاووس، ويتبختر في بذلة مقصبة، متقلدا سيفا مذهب القراب يمشي على طقطقته، فتهيبته، ثم «بكلت» أزراري، وأخذت أقترب منه بحذر، ونفسي تقول لي: تعرف عليه تتسهل أمورك. قل تعارفنا وارتفعت الكلفة فقلت له ذات يوم: باي أفندي، عندي عرضحال سري أتكتبه لي؟
فاستضحك وقال: صدقني إذا قلت لك إني لا أعرف من التركية أكثر من أربعين خمسين جملة.
Bilinmeyen sayfa