أما أيبك فقد أصبح، بعد وفاة محمد الغوري مستقلا بحكم الهند الشمالية إلى أن وافاه القدر المحتوم في 1210 على إثر حادثة لعبة البولو، وقد أسس أسرة أطلق عليها اسم الملوك المماليك «أو العبيد». وفي 1211 اختار كبار المسلمين شمس الدين الطتمس «أو اللمش» زوج ابنة أيبك سلطانا ومن المماليك الذين ينتمون إلى قبيلة الباري التركمانية سلطانا خلفا لأيبك، وقد أمضى السلطان الجديد سبع عشرة سنة قبل أن يستطيع أن يخمد ثورات الهندستان والمولتان والسند على إثر وفاة أيبك. وقد حدث في عهد شمس الدين الطمش، أن غزا سلطان المغول جنكيزخان وسط آسيا والبنجاب الغربية في 1221، ولكنه غادرها إلى أفغانستان، وقد امتد ملكه من الهندوس إلى مصبات الكنج، وفي الوقت ذاته قوي نفوذ جماعة «الأربعين» من المماليك الأتراك وأصبحوا الآلة المحركة للحكومة وأضحى خلفاء السلطان أداة في أيديهم.
هذا وقد اقترن حكم دولة المماليك في الهند بعنايتهم بالفنون خاصة إنشاء المساجد والمدارس؛ من ذلك المسجد الجامع والقطب المنار في قلعة دلهي في عهدي أيبك والطتمش، وقد بدأ بناء الجامع في 1191 وتم في 1232، وقد عهد إلى البنائين الهندوسيين في بنائه من أنقاض المعابد الجينية الهندوسية.
ومما يدعو إلى الدهش أنه حين كان الطتمش يحتضر في 1236 أوصى بالعرش إلى ابنته «رضية» فتولت الحكم بعد اضطرابات وثورات، وكانت سافرة ترتدي ثياب الرجال والفروسية وتمتطي ظهر الفيل يتبعها جيشها في تنقلاتها. وقد سخطت عليها «جماعة الأربعين» وذلك حين اختارت الحبشي «ياقوت» وزيرا وكبيرا لمستشاريها، فقد أهاج هذا التعيين جماعة الجيش السلطاني وأسرة الملكة فأجلست في مكانها بهرام في 1420، ثم إنها اقترنت بآسرها (الطونيا) وحاولت أن تستعيد عرشها زاحفة بجيش كبير على دلهي، غير أن الأقدار قد عاكستها فقتلها أحد قطاع الطريق حين كانت تنام في خيمتها في الغابة ومعها ثيابها الغالية، أما بهرام فقد قتله (جماعة الأربعين) بعد عامين من توليتهم إياه لخلاف قام بينه وبينهم، ومما يذكر عن حوادث ذلك العهد ما كان من غزوة منغولية في 1241 ضاعت بسببها لاهور ونهبت أموالها.
ثم إن علاء الدين مسعود الرعديد حفيد الطتمش حين جلس بعدئذ على العرش في 1242، واجه ثورات السند والمولتان والبنجاب الأعلى والبنغال وبيهار فخلعته (الجماعة) وأجلست على العرش في 1246 عمه ناصر الدين محمدا وكان في السابعة عشرة عاملا نابها ومتدينا، اختار بالبان أحد أعضاء جماعة الأربعين وزيرا له فأبدى من الكفاية وحسن القيادة ما جعله السيد الفعلي للملكة، مخمدا ثورة القبائل الهندوسية في البنجاب وفي إحدى الغابات المنغولية، محققا سلطة الحكومة المركزية بين قبائل الدول الهندوسية الثائرة، وقد زوج ابنته إلى ناصر الدين ولما تآمرت عليه (الجماعة) نفي إلى ناجور ثم أعيد إلى منصبه في دلهي إلى أن جلس على العرش في 1266 باسم غياث الدين بالبان على إثر وفاة ناصر الدين الذي كان آخر أسرة الطتمش، ولم يقلق باله شيء من ناحية الهندوس، وإنما كان مصدر القلق هو غزوات المنغوليين.
هذا وقد كان الحكم الإسلامي في شمال الهند يقوم على قوة الجيش الإسلامي وحامياته المنتشرة في الولايات حافظة الأمن، وكان الهندوسيون يعيشون في سلام لا يعنيهم شيء من أمر الحكم ما دام أن لهم زرع أراضيهم في غير إرهاق، وكان لهم أيضا تحصيل الضرائب كموظفين صغار، وكان المسلمون يتركون الحكام الهندوس الوطنيين يحكمون ولاياتهم خاضعين للحكومة الإسلامية المركزية، وكان بعض هؤلاء ينزع في بعض الأحيان إلى الانقضاض عليها ثم يبوء بالخيبة. وقد مات في سن الثانية والثمانين بعد أن حكم المملكة حكما مقرونا بالحزم واستخدام العنف مع العصاة والمجرمين والحكام الملوثين والقواد الخاسرين، وكان له جيش من الجواسيس، وقد قضى على نفوذ جماعة الأربعين ونظم الدفاع عن الحدود ضد غارات المغول، وعين ابن عمه شيرخان قائدا للجيش، وفي 1280 أخمد ثورة في البنغال.
وفي 1270 أعاد بالبان تنظيم الحكومة الإقليمية في لاهور. وفي 1280 بعد أن أخمد ثورة في البنغال قتل الحاكم تيجريل وأسرته وأنصاره، وعين أحد أبناء السلطان باجراخان حاكما للبنغال.
وفي إحدى غارات المغول التي لم يكتب لأكثرها التوفيق قتل في 1285 ولي العهد محمد خان دفاعا عن مولتان، وقد مات بالبان في 1287 حزينا على وفاة هذا الابن البار العظيم. كان بالبان إداريا قديرا حازما وعادلا شديد الوطأة على الثائرين والمجرمين، لا يتناول الخمر ولا يلعب الميسر. وقد خلفه ابنه قايق باد وكان صغيرا ضعيف الإرادة لاهيا فاسقا، وبعد ثلاث سنوات لقي حتفه بطعنة على رأسه.
وخلفه جلال الدين فيروز، وكان في السبعين، وهو ينتمي إلى قبيلة خلجي، التي كان منها اختيار الدين حاكم البنغال. وكان السلطان فيروز مكروها، لا يجرؤ على أن يبدو في دلهي فأنشأ بلدا آخر في كيلخوري على مبعدة بضعة أميال من دلهي، ولما كان ضعيف الإرادة فقد قويت شوكة المجرمين واللصوص والسفاحين وقد أطمع هذا المغوليين الغزاة في مملكة فيروز، وبعد عامين منذ جلوسه على العرش، استطاع فيروز أن يردهم عن الحدود كنتيجة لانتصاره في الحرب أو بالمفاوضات، على أنه قد بقي البعض من المائة ألف مغولي الغزاة حول دلهي بعد إسلامهم، لكنهم بعد نحو الخمس سنوات ثاروا على السلطان علاء الدين، الذي أدبهم تأديبا قاسيا بذبح عدد يتراوح بين الخمسة عشر ألفا والثلاثين ألفا.
هذا وقد غزا علاء الدين ابن أخي السلطان وحاكم كار، الدكن هازما أماخندار ملك ديجيري والدكن الغربية وعاد بعد الصلح مع المهزومين إلى كار فائزا بالأسلاب وبتعويض قدره 20 ألف رطل من الذهب و200 رطل من اللآلئ، وكمية كبيرة من الفضة. على أن علاء الدين حين عاد من المعركة فائزا بهذه الأسلاب عمد إلى قتل «فيروز» الذي كان قد ذهب إلى كارا لاستقبال ابن أخيه القائد الظافر «علاء الدين»! وقد حمل علاء الدين رأس فيروز على حربة وزحف على دلهي في جيش، اقتحمها وجلس على عرشها في أكتوبر 1296 فاقئا أعين ولدي السلطان فيروز. ولما أن صفا لعلاء الدين الجو بعد أن هزم قائده ظفر خان المنغوليين قريبا من جولندار، أمعن في اضطهاد النبلاء والأشراف سجنا وتعذيبا وقتلا ونهبا؛ وليس فيمن اتهم وحسب بل في أسرهم، خاصة حين قام الخلاف على توزيع الأسلاب بعد ضم جوجيرات إلى السلطنة في 1297، فقد انتفخت أوداج علاء الدين وطمع في النبوة وتأسيس ديانة جديدة وفي فتوح تفوق ما فتحه الإسكندر. غير أن صاحبه «علاء الملك» قاضي قضاة دلهي، قد أقنعه بالعدول عن هذه المطامع، وبترك ما كان عليه من ظلم الرعية والإدمان على الشراب، وقد استطاع القائد «ظفر خان» أن يهزم المنغوليين المرة بعد المرة، خاصة حين وصل 200 ألف إلى أبواب دلهي، وقد نفس علاء الدين على قائده ظفره المتتابع.
كان علاء الدين يجري في سياسته على إضعاف كبار الرعية بإذلالهم وإفقارهم واضطادهم إلى السجن والقتل والاستعانة بالمخبرين والجواسيس على الوقوف على أخبارهم ومنعهم من عقد الاجتماعات ومن الزواج من غير إذنه ومصادرة الثروات الخاصة والمرصودة للمؤسسات الدينية والخيرية والذهب، وبتحريم شرب الخمر والمخدرات، وقد بدأ بنفسه فحرم هذه عليها، وقد عامل الهندوس بالشدة، فلم يكن يرخص لأحدهم بامتطاء صهوة جواد أو بحمل سلاح مع تقييد المبالغ التي ينفقونها، وبعد أن كانت الرسوم الجمركية تحصل بنسبة سدس قيمة البضاعة، أصبحت بنصف قيمتها. كما فرضت الضرائب على الغنم والماعز والماشية. أما الموظفون؛ وكبار من المسلمين وصغارهم كالمحصلين والمثمنين من الهندوس فكان يعاملهم في قسوة وإرهاق. هذا ويقول كتاب تاريخ الهند طبعة كامبردج في الجزء الثالث ص107: إنه عدا الضريبة على كل رأس لم يكن هناك قوانين خاصة مسنونة ضد الهندوس في التشريع الإسلامي، هذا ويبدو مما ورد في ص111 و112 من الجزء الثالث من الكتاب المشار إليه ومن كتاب تاريخ الهند ص232 طبعة أكسفورد أنه لم يكن ثمة ما يقلق بال علاء الدين في مملكته المتزايدة سوى غارات المنغوليين التي لم تنقطع خاصة في سني 1305 و1306 و1307 و1308 فقد اقتحموا في غاراتهم الست حدود الهند، وقد استطاع 120 ألف منغولي محاصرة دلهي مدة لم ينسحبوا بعدها إلا تحت ضغط قوات علاء الدين الذي كان معنيا بتعبئة الجيوش والإكثار من الحاميات، وكان هذا يحمله على تقييد حرية رعاياه وسلب مال أغنيائهم سواء لإضعاف شوكتهم وإذلالهم أو للإنفاق على الجنود، فإذا فرغ من أمر غزوات المنغوليين عمد إلى توسيع ملكه الذي بدأه في 1297 بتعيين حاكم مسلم على مملكة راجبوت جوجيرات، أغنى ممالك الهند يومئذ خلفا لآخر ملك من أسرة الفاجالا. وقد عين الأغا الهندوسي «كافورا» باسم مالك نيب نصيرا للسلطنة ونائبا للملك مدة خمسة أسابيع.
Bilinmeyen sayfa