وقد عرف «محمود»، إلى التدين والمقدرة العسكرية والإدارية بأنه محب للفن، فقد أقام في غزنى المباني الكبيرة، وكانت داره مثوى العلماء والشعراء وعلى رأسهم الفردوسي مؤلف الشاه نامه، وأبو الريحان محمد البيروني. هذا وقد أنشأ محمود جامعة ومكتبة. ولما كان الحكم يقوم على شخصه لا على نظم ثابتة فقد استهدفت مملكته للضعف والانقسام على أثر وفاته، وقد خلفه ابنه محمد الأصغر الذي ثار عليه «مسعود» أخوه الأكبر وخلعه ونفاه إلى بلخ. ثم إن الملك الجديد «مسعود» قضى بالموت على أرياروق الحاكم التركي في البنجاب، إذ نزع إلى الاستقلال والقسوة، وقد خلفه في البنجاب أحمد نيالتيجين، وأمر الملك بأن يمتنع الموظفون الأتراك عن الشراب ولعب البولو والاختلاط بالضباط الهندوسيين في لاهور، وعن الإسراف في المظاهر الدينية. هذا ولم يستمع مسعود إلى نصيحة أبي الحسن الذي نصح بإقصاء «أحمد» عن الشئون العسكرية فاقتحم هذا بنارس وعاد منها إلى لاهور بالأسلاب، ثم أخذ يعد حملة للاستقلال عن مسعود، حين كان السلجوقيون يهددون بلخ وكان الخليفة العباسي في بغداد «القادر بالله» في حالة الاحتضار. وهنا ظهر تيلاك الهندوسي الذي كان ابن أحد الحلاقين، وقد عينه السلطان محمود قائدا للقوات الهندوسية برتبة «شريف»، استولى تيلاك على لاهور، وقتل الحاكم أحمد وابنه وهادن الجانتيين الذين كانوا منضمين إلى «أحمد» وعين السلطان ابنه مجدود حاكما للبنجاب، ودخل السلطان الهند ليقضي على ما بقي من عصيان تيلاق. وفي الوقت ذاته استطاع السلجوقيون أن يقتحموا إيران وأن يغزوا خراسان هازمين السلطان مسعود في تاليكان على مقربة من مرو في 104، فتراجع إلى غزنى، ثم فر مع حريمه وأمواله إلى الهند. غير أن رجال الحرس السلطاني قد خلعوه، وولى في مكانه أخاه محمدا، ولما مات مسعود مقتولا بعد بضعة أشهر، سار ابنه (مودود) من غزنى إلى حيث هزم السلطان محمدا وقتله بعد تعذيبه، وأصبح مودود سيدا على البنجاب في منتصف 1042، وفي 1044 استولى ماهيبال راجا على دلهي التي بناها سلفه تومارا منذ خمسين عاما قبل هذا، وعلى هانسي وثانيزاروكنجرا محاصرا «لاهور» على غير جدوى.
ويقول «سير جورج دونبار في ص95 في الجزء الأول من كتابه تاريخ الهند »: «إن غزوات العرب للسند لم تؤثر كثيرا في سائر بلاد الهند؛ ذلك أن مرمى هذه الغزوات كان للحصول على الغنائم والعودة بها مع ما تخلل هذا من التدمير والمذابح وذلك على الرغم من أنهم ضموا إقليم البنجاب».
ولما نهضت دولة جهور «أو جهار» التي على مبعدة مائتي ميل شمال غزنى، حين آذنت شمس الدولة الغزنية بالمغيب - وسع الجهوريون أن يهزموا الغزنيين وأن يحرقوا عاصمتهم انتقاما من قتل شقيق أمير جهور، فقد لبثت النار مشتعلة فيها أسبوعا في 1151، مما كان من آثاره أن أطلق على أمير جهور (علاء الدين حسين) اسم «جهنسوز»؛ أي «محرق العالم» على أن السلطان سنجر السلجوقي قد هزمه، ثم إن بهرام ملك الغزنيين قد استعاد العاصمة التي ما لبث خلفه السلطان خسرو شاه أن فقدها في 1160 على أيدي إحدى قبائل التركمان «غزي» ولم يبق للغزنيين في الهند سوى البنجاب. ثم إن غياث الدين محمد ابن أخي جهنسوز أمير جهور قد نهض بدولته ثانية فاستولت على غزنى في 1173 وعين أخاه الأصغر معز الدين محمدا شهاب الدين حاكما على إقليم غزنى وبلاد الدولة الغزنية، مادا سلطانه إلى أقصى حدود الهندستان.
توسيع إمبراطورية السلطان محمد غوري
كان محمد غوري يرمي إلى الاستيلاء على المستعمرات الإسلامية في الهند، ففي 1175 جاء من غزنى واستولى على مولتان عاصمة المستعمرة العربية التي كانت في أيدي الإسماعيليين، إلى أن استطاع أن يخضع السند كلها لحكمه ؛ وأن يصبح بعد أربع سنوات سيدا للبنجاب إلى سوتليج، وأن يأسر خسرو مالك، وأن يجعل الأسرة الغزنية أثرا بعد عين.
ثم إنه لما أراد السلطان محمد غوري أن يغزو مملكة دلهي في 1190-1191، استطاع شوبان «راجا پريثفي» أن يهزم السلطان في تاراوري مستعيدا منه بهاتيندا، كذلك هزم بهيم الفاجهيلا «راجا انهلفارا» في جوجيرات.
وعاد السلطان مرة أخرى في 1192 لغزو الهند وهزم راجا پريثفي في تاراوري ولما قتله فرت فلوله، فأصبح محمد غوري سيدا على الهند الشمالية إلى أبواب دلهي التي سقطت في 1193، وكذلك استولى على أجمير وأخذ منها أموالا وأسرى، وعين أحد أبناء راجا پريثفي مكان أبيه في ولايته، على أن يدفع الجزية للسلطان، وعين قطب الدين أيبك أحد المماليك التركستانيين وقد دخل خدمة السلطان، مبديا من حسن التربية وكرم الأخلاق والفروسية وصدق الرماية ما أبلغه أكبر المراتب وجعله الثقة عند جلالته، وولاه ولاية دلهي في 1192، ووسع أيبك أن يهزم جيش الراثور راجبوت ملك كانوج في شندوار «فيروزاباد» فقتل جيشاند وقبض على جيشه، وكان للمسلمين المناصب العسكرية والإدارية تاركين للهندوسيين المناصب الصغيرة. وكان هناك أمراء وحكام هندوسيون يحكمون بلادهم مقابل دفع جزية أو إتاوة للدولة الإسلامية، وقد لبث هذا إلى منتصف القرن السادس عشر.
وهناك قائد آخر كان لمجهوده وبطولته الأثر في توسيع المملكة وهو اختيار الدين محمد بن بختيار من القبيلة التركية في جلج بين سبستان وغزنى، ومنها نبتت أسرة مالكة بعد قرن منذ يومئذ. وكان قبيح الصورة وكانت ذراعه طويلة جدا، وكان مغامرا وحازما اتجه بجيشه شرقا غازيا في 1193 بيهار مستوليا على أموال عاصمتها أو دايتابوري ومقوضا ديرها ومنزلا بالبوذية ضربة أعجزتها عن النهوض ثانية فزالت من شمالي الهند نهائيا وفر الرهبان إلى نيبال والتبت في الجنوب، وبلغ من عزيمة «اختيار الدين» أنه غامر ومعه 18 شخصا فقط باقتحام ناديا حين كان بها الملك البرهمي العجوز لاكششمان يتناول طعامه ففر مع زوجه في أحد القوارب واحتل «اختيار الدين» المدينة ودخلها جيشه ناقلا أموالها وموزعا أسلابها ثم عاد إلى لجنواتي «جور » التي جعل نفسه فيها حاكما على البنغال مؤسسا المساجد والمدارس.
ولما مات غياث الدين في بداية 1203 أصبح أخوه الأصغر معز الدين محمد بن سام سيدا على شمالي الهند والحاكم الوحيد لأملاك الغوري، الذي أصبحت مملكته الهندية تمتد من السند إلى البنغال الشرقية، وكاد إجماع الهند الشمالية ينعقد على الإقرار بسيادته. على أنه لما كان يطمح إلى إنشاء إمبراطوريته في وسط آسيا فقد حاول في 1203 غزو خفاراسم «خيوا الحديثة» غير أنه أخفق إخفاقا هز إمبراطوريته هزا عنيفا؛ كان من أثره أن شقت مولتان عصا الطاعة وأن ثارت القبائل الشمالية في الحاجر الملحي «الصولت رينج» وأن نهب الثائرون لاهور. ومع أن محمد الغوري قد استطاع بمعونة أيبك أن يخمد الثورة في 1206 فإنه حين كان عائدا إلى غزنى، قتله شخص يرجح أن يكون من متعصبي شاهات المذهب الإسماعيلي.
أما اختيار الدين فقد لقي حتفه في السنة نفسها حين كان عائدا من حملته المخفقة على منطقة الهيملايا.
Bilinmeyen sayfa