فأما على طريق المضادة فإن ماهيتها لا تقال أصلا بعضها عند بعض، بل إنما يقال إن بعضها مضادة لبعض. فإنه ليس يقال: إن الخير هو خير للشرير، بل مضاد له، ولا الأبيض أبيض للأسود، بل مضاد له، فتكون هاتان المقابلتان مختلفتين. وما كان من المتضادة هذه حالها، أعنى أن الأشياء التى من شأنها أن يكون وجودها فيها أو الأشياء التى تنعت بها يجب ضرورة أن يكون أحد المتضادين موجودا فيها، فليس فيما بينهما متوسط أصلا. وما كان ليس واجبا أن يكون أحدهما موجودا فيها، فتلك فيما بينهما متوسط ما لا محالة، مثال ذلك: الصحة والمرض من شأنهما أن يكونا فى بدن الحيوان؛ ويجب ضرورة أن يكون أحدهما — أيهما كان — موجودا فى بدن الحيوان؛ إما المرض وإما الصحة. والفرد والزوج ينعت بهما العدد؛ ويجب ضرورة أن يوجد أحدهما — أيهما كان — فى العدد: إما الفرد، وإما الزوج. وليس فيما بين هذه متوسط ألبتة، لا بين الصحة والمرض، ولا بين الفرد والزوج. — فأما ما لم يكن واجبا أن يوجد فيها أحدهما، فتلك فيما بينها متوسط. مثال ذلك السواد والبياض من شأنهما أن يكونا فى الجسم، وليس واجبا أن يكون أحدهما موجودا فى الجسم، فإنه ليس كل جسم فهو إما أبيض وإما أسود. والمحمود والمذموم قد ينعت بهما الإنسان وتنعت بهما أيضا أشياء كثيرة غيره، إلا أنه ليس بواجب ضرورة أن يكون أحدهما موجودا فى تلك الأشياء التى تنعت بهما؛ وذلك أنه ليس كل شىء فهو إما محمود وإما مذموم. فبين هذه متوسطات ما: مثال ذلك أن بين الأبيض وبين الأسود الأدكن والأصفر وسائر الألوان؛ وبين المحمود والمذموم ما ليس بمحمود ولا مذموم.
Sayfa 40