أخبر القاسمُ بن جريال، قال: نويتُ مفارقةَ اللاذقيةِ والأقرانِ المُماذِقيَّةِ، لغَلبة غلباء، وسَنَةٍ شَهباءَ، ما لمعَتْ لها بروق، ولا لمعتْ بها لاقحٌ ولا بَروق، وكنتُ في تلكَ المجاعاتِ، وتهافتِ الجماعاتِ صاحبَ صِبيةِ، ومصاحبَ صَبْوةٍ وصَبيةٍ، أربحُ من لَببِ اللُبابِ، وأبرحُ عن سَبَب السِّبابِ وأرمحُ لِعُبابِ العيابِ، وامرحُ في ثيابِ الثوابِ، ما عُرِفَ لي تُفُوه، وأنا مشفوه المشارب مشفوهٌ، فحينَ نجِمَ دخان خضرائها، وأنجمَ دخانُ غبرائها، وانجزمَ نسلُ نسائها، وانجرمَ النسلُ بأرجائها، وصهَرَ حَرورُ يوحِها، وهصَر بفودي الإفادة ماء طوفان نوحِها، منحتها مُرَّ الطلاقِ، ونفحتُها بانطلاق المطلاق، واحتلست مطية فاحمة الأطمارِ، متزاحمة الاختمار، مائلة عن النفارِ، عادلةً عن العثار، مبرّأة من البُرى، مفدّأة في السُّرى، لا يناهزُها الإرزام، ولا يُجزّ حَيزومَها الحزامُ، تَزْفِنُ لشدّةِ الاضطرابِ، زَفْنَ الشاربِ لنشوة الإطراب فأبرز الرايسُ شُرُعًا كان أنشأها، وأحكمَ إتقانها وأنساهَا، وأصبحَ مَصافحَ مجراها ومرساها، وقال: اركبوا فيها، باسم اللهِ مُجراها ومُرساها فلم تزل تنازل فوارسَ الأهوالِ، وتغازلُ عوائس الأوهال، وتجانبُ جحافلَ الإجبالِ وهي تجري بهم في موج كالجبالِ، حتى شرِبنا كؤوسَ السعادةِ الكِسرويّةِ، بأكفِ معالم الإسكندرية فولجتها وأنا من الميدِ كالمجنونِ، والقيظِ كالمفتون، فأقبلتُ أتقلقلُ لمفارقةِ الرفاقِ، ومرافقةِ الفِراق، إلى أن وقفتُ بالجامع ذي السوائر، وقفةَ الحرونِ الحائر، فألفيتُ غِلمةً واكفةَ الشؤونِ، ونسوةً منشورةَ القُرونِ، وعتاقًا مقلوبَة السروج، ونياقًا مكبوبة الحُدوج فقلت لمنحبٍ واقفٍ، ومكتئب لحنظلِ التحرق ناقفٍ: ما هذا الفَرْيُ الفظيعُ الواقعُ، والشَّرْيُ الشنيعُ الناقعُ، الذي ميطتْ له البراقعُ، وعجزَ عن إصلاح. خَرْقهِ الراقعُ؟ فقال: إنَّه قد دَرجَ صاحبُ دِيوانِ الوزارةِ، المشهورُ بحسنِ الإشارةِ، ذو الضيفِ والقِراع، والسيفِ واليراع، والخلّةِ والخوان، والجِلَّةِ والجفانِ، فقلت: تاللهِ لا أزالُ أو أذوقَ بعدَ حُور محاوراته، مُرّ مُرار مواراته، فإنَّ استماعَ العِظةِ مصقلة للقلوب، واتّباعَ الجنائز مَرقلةٌ عن الزلل والحوب، ثم إنِّي ولَجتهُ وعلوتُ بعيرَ العِبَر، وحدجتهُ فوجدتُه مغمورًا من الغاشيةِ، مسجورًا من الغاشيةِ والماشية وبين تيكَ الحِزَق، وهاتيك الخِرَق، وُعّاظ تلبوا للعَصَبْصب الشديدِ، وترتبوا ترتيبَ أسماءِ التأكيد، فابتدرَ واعظٌ أفصحُ من قُسِّ المقالِ، وَأرجحَ بالارتجال في ذلك المجال، فدنوتُ لقبض عقاص تلك الخِلاص، وفضِّ عِفاص ذلكَ الإخلاص، فكان مِمّا رعيتُه بالاختصاص ووعيتُه من خَصاص الخِصاص: ابنَ آدمَ إلامَ تعومُ في بحارِ هفواتِكَ، وتقومُ لقطفِ ثمارِ خَلواتِك، وتكرع من فراتِ الآثم، ولاَ تركع لردع زفراتِ المآثم، وتُنْظِرُ إصلاحَ حالِكَ، ولا تنظِرُ سوادَ ذنبِكَ الحالِك، وتحكي نفيسَ مالِكَ، ولا تبكي لخسيس آمالِكَ، وتمنعُ من فضولِ غَمرِكَ، ولا يُطمعُ في أفولِ غِمْرِك، وتركبُ وتصيدُ، ويُلثمُ لكَ الوصيدُ، ويجبى بك الحَصيدُ، وقد انقرضَ آباؤك الصِّيدُ، فلا يردعُك الواعظ، ولا تخدعُك المواعظ، ولا يرفعُكَ فعلُ مَليحةٍ فتغنمَ، ولا ينصُبك تمييزُ قريحةٍ فتعلم ولا يخفِضُكَ خافِضُ فضيحةٍ فتندمَ، ولا يجزمكَ جازمُ قبيحةٍ فتسلم، وَيْكَ أما تفزعُ من ركاب حَيْنِكَ، وتجزعُ من ارتكابِ مَينِك وتَقلعُ شجراتِ شَيْنِكَ، وتُقلع عن شهواتِ عَيْنك، تاللهِ إنَّ الموتَ ليشذِّبَ موادَّ سعيكَ، ويقرّب نُوادَّ نعيكَ، ويبلقعُ خَدور مغانيكَ، ويقطِّعُ صدور غوانيكَ، ويقلِّم قدودَ أعوانك
1 / 9