ويكلّم خدودَ إخوانكَ، أتخال أن تمنعَكَ حصونُكَ إذا آنَ منونكَ، أو ينفعَكَ مخزونُكَ، إذا استعبَرَ محزونك، أو يرحمَك آلُك، إذا حان سؤالُكَ، أو تعصمُك أقيالُك، إذا أدبَر إقبالُكَ، أو ينصُرَك سُوْرُكَ، إذا اخْتُطِفَ مَيسوركَ أو تسترّك ستورُك، إذا انكشفَ مستورُك، أم تحسِبُ أن سيسعدُك أودّاؤك، إذا فُقِدَ دواؤك، أو يعضدُك عبَّداؤك إذا أعضلَ داؤك، أو تجبرُك وعودُك وعودُك إذا انحسمَ وجودُك وجودكَ، أو يذكرُك وصفاؤك وصفاؤك، إذا انقطحَ وسناؤك وسناؤك، فأنَّى تفوزُ وأنتَ عن منهج الحقّ جانحٌ، أم كيفَ تجوزُ مفازةَ فوز ما سنحَ لك بها سانح، تطفحُ بخلٍّ من هناتِكَ، ولا ترشَحُ لّخلٍ من هباتِكَ، وتفرَحُ بربيع ظابَك ولا تترحُ لخريفِ انقضابِك، ففي غدٍ تُلدَمُ بكفِّ مساورة تُرابك، وتَسْدَمُ لسَورةِ مسامرة ما تُرابكَ، فحتَام تخلوِ بمخازي خلائكَ، وتجلو بدائعَ البدَع لمُختالةِ أخلائكَ، وأنتم أيها الغافلون بلباس الدنس رافلونَ، فسوقَ الفُسوقِ تفتحون، وسَوْق الفَسوقِ تربحون، ومنهاجَ الكسلِ تَطُون، وأثباجَ المَلَلِ تمتطون، وقَعودَ القُعودِ تركبون، وجَمودَ الجمودِ تصحبونَ، فآلَ الاحتراثِ أما تشبعون، وإلى الأجداثِ ما تشبعون، أفلا مِنَ الموتِ تجزعونَ؟ ولا لخبَبِ خيولهِ تَخشعون، فعن قريب تَزارُ ليوثُ الوَجَل فتجأرونَ وتمطرُ غيوثُ الإغاثة، فلا: تُمطَرون، وتطلعُ شُموسُ المكاشفةِ فتأفلونَ، وتطفو سَفينُ المحاسبةِ فترسبون، ويُبرقُ برْقُ الموافقةِ فتبرقون وترشَقُ قُذَذُ المناقشةِ فتُصْعقُون، أتظنون أنكم تَسلموِنَ، إذ تُسلَمون أم تَطمعون أنكم تُمْهَلونَ حينَ تُهملون، أو يرقأ دمُ الندم يوم تهلعون، أو يدرأ الحُطمة الحُطامُ الذي تجمعون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون ثم إنهُ أنشدَ أهلَ مُصابِه بعد نَصِّ لِيته وانتصابِه: الكامل:
لا تحزنَنَّ مدى الزمان وصَابه ... واصبر لما أولاكَ من أوصابهِ
وتدَّرعَ الصبرَ الجميلَ فإنَّه ... دِرْعٌ تقدَّسَ ربُنا أوصى بهِ
وتيقنن أن الزمان لجهله ... سكران فاجيءْ حربَهُ أو صابِه
واعلمْ بأنَّ حِمامَ نفسِكَ واردٌ ... في شهد مَشربِكَ الجني أو صابِه
قال الراوي: فلمّا سًدّ أدعيةَ عظاته، وشدَّ أوعية مبكياتِه، أتحفَ بهبةِ جميلة، وأسعفَ بجُبة جليلية، فَجَعل يَتَخَنْدَفُ للمَع فُصوله، ويتغطرفُ لمنتَخب محصولهِ، ويتطلّسُ لمفصَّلهِ، ويتغترس باقتناص مُحصَّلهِ، ثم أخذَ بعدَ جزالةِ جزائِه في شُعَبِ لُغيزائه حتى خرجَ منَ القوم خروج السقْب من سَلاهُ، والنَّدْبُ عمنْ قربَه وسلاه، وأنا خلفَه أخضب مشيب مشيتي، بَكَتم كَتْم حِسِّ وطأتي، إلى أن طرقَ بابَ حديقةِ بعيدةِ الأرجاءِ رغيدة الأفياء فبرزَ إليه فتى ألطفُ من اللفظِ اللطيف، وأقضفُ خصْرًا من القُصْنِ القضيفِ، وقال له: ما الذي عافاك، وباعدَ قفولكَ وملقاك، وأنهلك عُقار التقاعس وساقاك، حتى توَّقفَتْ قدمًا قدومك وساقاك، فقال له: تأخّرُ وقيص احتيالي، وبطءُ دخولِ قنيص حِبالةِ محالى وبعدَ ما استبعدَ الغلامُ الأجلَ، اطرَّح الشيخُ الخجَلَ، وأغلقَ حُرْجُولَه وارتجل: الطويل
خليليَّ لولا حيلتي ونخيُّلي ... على الناس لم أبصرْ مدى الدهرِ واهبا
ولكنّني أسعى بكل فضيلةٍ ... وأضربُ شرقًا في الورى ومغاربا
وأنصُب نصب النصب في كلِّ مَنْصب ... وأجعلُ خيلَ الختل فيه مخالبَا
وأطردُ طِرْفَ الطّرفِ فيَ كلِّ طُرْفَة ... وأعطف عطفي للمكاسبِ كاسبا
فطورًا تراني في المجالس واعظًا ... وطورًا تراني في المنابر خاطبا
وطورًا تراني في المحافلِ شاعرًا ... وطورًا تراني في الجحافلِ راكبا
وطورًا تراني في الجوامع قارئًا ... وطورًا تراني في الصوامع راهبا
وطورًا تراني في النوائبِ واهبًا ... وطورًا تراني في الكتائب ناهبا
فهذا شِعاري ما حِيَيْتُ لأَنَّني ... وجدتُ بياضَ الفضلِ في الجهلِ راسبا
1 / 10