399

معنى الجوهرية للنفس بحسب حقيقتها وذاتها ، إنما يكون إذا ثبت أن النفس يجب أن تكون في نفسها لا في موضوع البتة ، كما هو معنى الجوهر ، وقد علمت ما الموضوع وما معناه ، حيث علمت في الإلهي أن الموضوع يعني به ما صار بنفسه ونوعيته قائما ، ثم صار سببا لأن يقوم به شيء فيه ليس كجزء منه ، والحال أن هذا المعنى لم يثبت بعد للنفس باعتبار كونها كمالا ، أو كونها في المركب كجزء منه ، نعم لو ثبت بالدليل أن كل نفس موجودة لا في موضوع ، ثبت أن كل نفس جوهر بحسب الحقيقة ، أو ثبت أن نفسا ما قائمة بذاتها والبواقي كل واحدة منها في هيولى وليست في موضوع ، ثبت أيضا أن كل نفس جوهر بذاتها. وأما لو كانت نفس ما قائمة في موضوع ، وهي مع ذلك جزء من المركب ، فهي عرض بحسب الحقيقة ، وجميع هذا كمال. فلم يتبين لنا بعد أن النفس جوهر أو ليست بجوهر من وصفنا أنها كمال ، وغلط من ظن أن هذا يكفيه في أن تجعل جوهرا كالصورة ، بل إن إثبات جوهرية النفس في ذاتها يحتاج إلى دليل آخر ، كما حققه الشيخ في فصل آخر بعد هذا الفصل ، ونحن سنذكر فيما بعد ملخصه إن شاء الله تعالى.

ثم إن قوله : «فنقول : إنا إذا عرفنا أن النفس كمال بأي بيان وتفصيل (2) لم نكن بعد عرفنا النفس وماهيتها (3)» إلى آخره (1) هذا بيان بوجه آخر غير السابق ، لأن إطلاق الكمال على النفس في تحديدها لا يدل على كونها داخلة في مقولة الجوهر ، ولا على حقيقتها وماهيتها في نفسها ، بل على النفس من حيث هي نفس ، ومن حيث يطلق عليها اسم النفس ، أي من جهة إضافة ما لها إلى البدن وكونها مقيسة إليه.

وتوضيحه : أنا إذا عرفنا أن النفس كمال بأي بيان وتفصيل فصلنا الكمال وفسرنا معناه ، لم نكن بذلك عرفنا النفس وماهيتها بذاتها ، بل عرفناها من حيث هي نفس ، ويطلق عليها هذه اللفظة. فإن اسم النفس ليس يقع عليها من حيث جوهرها بذاتها ، ومن حيث هي واقعة تحت مقولة الجوهر ، بل من حيث ما لها إضافة ما ، أي من حيث هي مدبرة

Sayfa 71