أعراضا في أنفسها ، وكذا إذا لم يكن لفصول الأعراض عرضية إلا عرضية أجناسها ، لكانت هي في حد ذاتها جواهر ، لأن الجوهرية والعرضية متقابلتان تقابلا في الغاية ، وإذا لم يدخل أحد المتقابلين في حقيقة شيء ، كان المقابل الآخر داخلا في حقيقته البتة ، وإلا لزم ارتفاع المتقابلين ، وهو محال.
قلت : إن ارتفاع المتقابلين إنما يستحيل إذا كان ارتفاعهما عن شيء من شأنه ثبوت أحدهما له من حيث ذاته بذاته ، ولا نسلم أن تلك الفصول بحسب حقائقها وذواتها وفى أنفسها ليس من شأنها الجوهرية ولا العرضية بالمعنى الذي يراد في الأنواع الجوهرية والأنواع العرضية ، فارتفاعهما عنها في حدود ذواتها ليس بممتنع.
والحاصل أن ارتفاع المتقابلين ، بل ارتفاع النقيضين أيضا وإن كان ممتنعا في الواقع ، لكنه ليس بممتنع في بعض مراتب الواقع ، وهذا كما يقولون : إن الماهية من حيث هي ليست إلا هي.
ومن هذا أيضا يظهر أن ليس يلزم فيما نحن فيه تقوم الجوهر بالعرض ، لو لم تكن تلك الفصول التي هي الكمالات جواهر في أنفسها ، فتدبر.
وقوله (1) «فبين أن النفس لا يزيل عرضيتها كونها في المركب كجزء ، بل يجب أن تكون في نفسها لا في موضوع البتة» الى آخره تفريع على ما تقدم ، والمعنى : فبين مما ذكرناه أن النفس التي نحن بصدد بيان حالها لا يزيل احتمال عرضيتها في نفسها وبحسب حقيقتها كونها كمالا وكونها في المركب ، أي في الجملة التي هي عبارة عن النفس وما تعلقت به ، كالنبات والحيوان والإنسان كجزء منه ، حيث عرفت أن بعض ما كان كجزء من المركب يمكن أن يكون عرضا في ذاته ، كالحرارة على ما عرفت من حالها. وأن الفصل الذي هو جزء من المركب الجوهري ، وإن صدق عليه أنه جوهر ، إلا أنه ليس صدقه عليه صدقا جوهريا ذاتيا يستلزم كونه جوهرا في حد ذاته ، كما هو المقصود هنا من جوهرية النفس ، بل صدقا عرضيا يستلزم عروض معنى الجوهرية له ، بل إن ثبوت
Sayfa 70