314

Parlak Işıkların ve Kalıcı Sırların Işıltıları

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Yayıncı

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Baskı

الثانية

Yayın Yılı

1402 AH

Yayın Yeri

دمشق

Türler
Hanbali
İmparatorluklar
Osmanlılar
سُبْحَانَهُ جَعَلَهُ فَاعِلًا لَهُ مُحْدِثًا لَهُ، قَالَ - تَعَالَى -: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان: ٣٠] فَأَثْبَتَ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ وَأَخْبَرَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَهَذَا صَرِيحُ قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ مَشِيئَةِ الْعَبْدِ، وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ الرَّبِّ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ -: وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيِّ كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفِرَايِينِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَيَقُولُونَ: الْعَبْدُ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً، وَلَهُ قُدْرَةٌ وَاخْتِيَارٌ، وَقُدْرَتُهُ مُؤَثِّرَةٌ فِي مَقْدُورِهَا، كَمَا تُؤَثِّرُ الْقُوَى وَالطَّبَائِعُ وَالْأَسْبَابُ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْعُ، وَالْعَقْلُ قَالَ - تَعَالَى -: ﴿فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ٥٧] وَقَالَ: ﴿فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ١٦٤] وَقَالَ يَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، يُخْبِرُ - تَعَالَى - أَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَوَادِثَ بِالْأَسْبَابِ، وَكَذَلِكَ دَلَّ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ عَلَى إِثْبَاتِ الْقُوَى، وَالطَّبَائِعِ لِلْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] وَقَالَ ﴿هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥] وَقَالَ فِي الْجَمَادَاتِ: ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ [الزلزلة: ٢] وَقَالَ: ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: ٥] وَقَالَ: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف: ٢٥] وَقَالَ: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ [الحجر: ٢٢]، ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٤]، ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: ٤٤] وَقَالَ - تَعَالَى -: ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ﴾ [الفتح: ٢٩] وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ جِدًّا. وَقَالَ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ بَعْدَ مَا نَقَلَ الْخِلَافَ مُلَخَّصًا - مَا نَصُّهُ: ثُمَّ الْمَشْهُورُ فِيمَا بَيْنَ الْقَوْمِ، الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ مَذْهَبَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ وَاقِعٌ بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ إِيجَابًا، كَمَا هُوَ رَأْيُ الْحُكَمَاءِ، مَعَ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْإِرْشَادِ: اتَّفَقَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ قَبْلَ ظُهُورِ الْبِدَعِ، وَالْأَهْوَاءِ عَلَى أَنَّ الْخَالِقَ هُوَ اللَّهُ وَلَا خَالِقَ سِوَاهُ، وَأَنَّ الْحَوَادِثَ كُلَّهَا حَدَثَتْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا تَعَلَّقُ قُدْرَةُ الْعَبْدِ بِهِ وَبَيْنَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ إِبْرَاهِيمُ الْكُورَانِيُّ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ شَيْخِهِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيِّ الْقُشَاشِيِّ مَا نَصُّهُ: مَذْهَبُ الشَّيْخِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ فِيمَا قِيلَ عَنِ الْأَصْحَابِ - يَعْنِي الْأَشْعَرِيَّةَ - مِنْ أَنَّ أَصْلَ فِعْلِ الْعَبْدِ وَاقِعٌ مِنْهُ بِتَأْثِيرِ قُدْرَتِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ، قَالَ:

1 / 314