Parlak Işıkların ve Kalıcı Sırların Işıltıları
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Yayıncı
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Baskı
الثانية
Yayın Yılı
1402 AH
Yayın Yeri
دمشق
مُسَبَّبَاتِهَا، وَاللَّهُ - تَعَالَى - خَالِقُ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ، وَمَعَ أَنَّهُ خَالِقُ السَّبَبِ، فَلَا بُدَّ لِلسَّبَبِ مِنْ سَبَبٍ آخَرَ يُشَارِكُهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُعَارِضٍ يَمْنَعُهُ فَلَا يَتِمُّ أَثَرُهُ إِلَّا مَعَ خَلْقِ اللَّهِ لَهُ، بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّبَبَ الْآخَرَ وَيُزِيلَ الْمَوَانِعَ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ وَالطَّاعَاتُ وَالْمَعَاصِي هِيَ مِنَ الْعَبْدِ، بِمَعْنَى أَنَّهَا قَائِمَةٌ بِهِ وَحَاصِلَةٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ الْمُتَّصِفُ بِهَا، وَالْمُتَحَرِّكُ بِهَا، الَّذِي يَعُودُ حُكْمُهَا عَلَيْهِ، وَهِيَ مِنَ اللَّهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَهَا قَائِمَةً بِالْعَبْدِ، وَجَعَلَهَا عَمَلًا لَهُ وَكَسْبًا كَمَا يَخْلُقُ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا، فَهِيَ مِنَ اللَّهِ، مَخْلُوقَةٌ لَهُ، وَمِنَ الْعَبْدِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ وَاقِعَةٌ بِقُدْرَتِهِ وَكَسْبِهِ، كَمَا إِذَا قُلْنَا: هَذِهِ الثَّمَرَةُ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَهَذَا الزَّرْعُ مِنَ الْأَرْضِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ حَدَثَ مِنْهَا، وَمِنَ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْهَا - لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ.
قَالَ: فَالْحَوَادِثُ تُضَافُ إِلَى خَالِقِهَا بِاعْتِبَارٍ وَإِلَى أَسْبَابِهَا بِاعْتِبَارٍ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ [القصص: ١٥] وَقَالَ: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ﴾ [الكهف: ٦٣] مَعَ قَوْلِهِ: ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨] وَأَخْبَرَ أَنَّ الْعِبَادَ يَفْعَلُونَ وَيَصْنَعُونَ وَيَعْمَلُونَ وَيُؤْمِنُونَ وَيَكْفُرُونَ وَيَفْسُقُونَ وَيَتَّقُونَ وَيَصْدُقُونَ وَيَكْذِبُونَ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّ أَئِمَّةَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ الْأَشْيَاءِ بِالْأَسْبَابِ، وَأَنَّهُ - تَعَالَى - خَلَقَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً بِهَا يَكُونُ فِعْلُهُ، وَأَنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً، فَقَوْلُهُمْ فِي خَلْقِ فِعْلِ الْعَبْدِ بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَقَوْلِهِمْ فِي خَلْقِ سَائِرِ الْحَوَادِثِ بِأَسْبَابِهَا، وَقَدْ دَلَّتِ الدَّلَائِلُ الْيَقِينِيَّةُ عَلَيَّ أَنَّ كُلَّ حَادِثٍ فَاللَّهُ خَالِقُهُ وَفِعْلُ الْعَبْدِ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ، وَفِعْلُ الْعَبْدِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُمْكِنَاتِ.
قَالَ: وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورُ طَوَائِفِهِمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْوَسَطِ، الَّذِي لَيْسَ هُوَ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَا قَوْلَ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَتْبَاعِهِ الْجَبْرِيَّةِ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّ شَيْئًا مِنَ الْحَوَادِثِ أَفْعَالُ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ، لَمْ يَخْلُقْهَا اللَّهُ - تَعَالَى، فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ السَّلَفِ وَالْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ ; وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ قَالَ: إِنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ وَأَفْعَالَ الْعِبَادِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ سَمَاءَ اللَّهِ وَأَرْضَهُ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ وَمُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَلَقَ قُدْرَةَ الْعَبْدِ وَإِرَادَتَهُ وَفِعْلَهُ، وَأَنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً وَمُحْدِثٌ لِفِعْلِهِ، وَاللَّهُ
1 / 313