ألا تراه قول ((لجعل السماء أرضا والبحر برا)) ثم قال: ((وهذا مطرد في جميع الأضداد)) فأي اجتماع أضداد دل عليه حتى يطرد القول فيه، لأنه لو جعل البر بجرا أليس يصير بحرا لا يبقى برا. وإنما اجتماع الأضداد لو كان الشيء وجده برا بحرا من جهة واحدة، أو يكون سماء أرضا من جهة واحدة، وهذا محال وهو الذي قال المسلمون إنه اجتماع الأضداد.
فانظروا معاشر المسلمين إلى معارضة من عارضنا إلى مبلغ علمه هذه الدقائق فما نحن وهذا المنازع إلا كرجلين تنازعا في طعم السكر، فقال أحدهما: إنه حلو وزعم الآخر أنه حامض، وتكابرا على ذلك فحلف كل واحد منهما على صدق قول نفسه، فطلب منهما تصديق ذلك فأحضر القائل بأنه حلو السكر بعينه، وقال أطعموه، وأحضر الآخر رمانا حامضا وقال الآن قد حضر الكسر فأطعموه لتعرفوا أنه حامض أم لا!! فهذا حماقة وتجاهل على أهل اللغة فأي شيء هذا المتعلل بحموضة الرمان علة طعم الكسر لأن عنده أن السكر هو الرمان!!
الواجب أن يؤخذ بيد هذا الإنسان ويرفق به وينبه على غلطه وسوء فهمه ويعلم أن المعروف عند أهل العقل أن هذا الذي أحضرته ليس بسكر وإنما هو رمان، فإن قيل الحق وإلا أنزل حيث نزل وحكم عليه بما قال وفعل، وبالله التوفيق.
مسألة: وقد رفع لنا الثقة أنه أومأ له إلى فحل من النخل ليريه إياه وقال أخبرني عن ورق هذه النخلة ألست تعاينه حيا وتراه رطبا؟ [56] قال: قلت له بلى!! قال: فقال ألا ترى إلى كربه ميتا، قال: فقال إلا ترى إلى الأضداد كيف اجتمعت؟ فسبحانه الله العظيم ما أوهن عقل من ظن ذلك وما أقربه من الجهل!! فأي ضدين اجتمعا هاهنا فهذا الورق الحي ليس بميت، وذلك الكرب الميت ليس بحي، فإن كان ظن أن هكذا اجتماع الأضداد فقد ظن غلطا وحكم بالخطأ وإنما اجتماع الأضداد أن تكون الورق نفسها حية ميتة في حال واحدة، والكربة ميتة حية في حال واحدة فهذا هو اجتماع الأضداد المحال المعروف عند أهل العقل والعلم.
Sayfa 73