مسألة: وأما جعله السماء ضدا للأرض، والبحر ضدا للبر من جهة الجوهرية. فهذا غلط بين لأن بالإجماع أن السماء جسم والأرض جسم والبر جسم والبحر جسم والأجسام لا تتضاد من حيث الجسمية بل من حيث اشتعالها للمكان عن حلول مثلها فيه ما كانت هي حالة فيه، وعلى هذا فليس السماء ضدا للأرض من حيث إنها سماء وأرض، بل من حيث اشتغالهما للمكان عن بعضهما بعض فيكون حينئذ كل جسم ضدا لخلافه من الأجسام، وكذلك كل جوهر ضد لغيره من الجواهر وعلى هذا فالسماء ضد للأرض وللبر وللبحر وغير ذلك من الأجسام من حيث إنها حيث حلت شغلت الجهة من غيرها من الأجسام.
وقد قلنا فيما تقدم عن القاضي أبي زكريا يحيى بن سعيد في جوابه إلى الخليل بن شاذان أن الجوهر ليست أجناسا مختلفة وجميعها متماثل فالمتماثل لا تتضاد، فيجب أن يعتبر وجه مماثلته أهي في اللون أم في الجرم. والنظر يوجب أنها في الجرم والأصلية لا في اللون، فإن اللون مختلف [55] وجوبه في الجوهر فأثبته بعضهم ونفاه آخرون. على أنه لو اتفق على إثباته فيه لما صح أن يتوجه هذا الخطاب إليه من قبل أنه خاطب في الجوهر دون العرض، اللون فعرض والله أعلم.
وإذا كانت الجواهر متماثلة فإنها إنما تختلف للأعراض القائمة بها فما اختص منها بالبياض سمى أبيض، وما اختص منها بالسواد سمى أسود، وما حلته الحركة سمى متحركا، وما حله السكون سمى ساكنا. وعلى هذا فليس الأبيض ضد للأسود بل البياض ضد السواد على ما وجدت، وكذلك المتحرك لا يكون ضد الساكن بل الحركة ضد السكون، لأن الأبيض والأسود والمتحرك والساكن إنما هي الجواهر الموصوفة بما قام بها له من الأعراض، والبياض السواد والحركة والسكون هي الأعراض الموصوف بها ما قامت به من الجواهر، الله أعلم.
مسألة: وأما جعله الصور فلب الصور اجتماعا للأضداد فهو من أو ضح دليل على جهله بالأضداد وحقيقتها.
Sayfa 72