الأمر أنّه كان ينتقي ما يراه صوابًا دون تعسفٍ أو تعصب لأحد على أحد (١)
* * *
_________
(١) وللدكتور غازي مختار طليمات بحث مفصل في هذا الموضوع، نشرته مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربيّة بـ "دبي" في العدد الثّالث - حزيران (١٩٩١ م) - نقلًا عن "اللباب" (١/ ٢٢).
ومِنْ تَتَبُّعِ الإنصاف في المسائل النحوية ما صنعه الفراء، وهو رأس الكوفِبين ومُقَدَّمُهُمْ، حيث أخذ بمذهب البصريين في العطف على الضمير المجرور؛ ففي قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ [النِّساء: ١] في قراءة حمزة بالجر، قال الفراء: خفض الأرحام كقولهم: باللَّه والرّحم وفيه قبح؛ لأنّ العرب لا تردُّ مخفوضًا على مخفوض وقد كنى عنه، وقد قال الشاعر:
نُعَلِّقُ في مِثلِ السَّوَارِي سُيُوفَنَا ... فَمَا بَيْنَها والكَعْبِ غَوْطُ نَفَانِف
وإنّما يجوز هذا في الشعر لضيقه. اهـ.
"معاني القرآن" (١/ ٢٥٢)، تحقيق أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار، ط. بيروت د. ت.
وقال أبو حيان في الآية نفسها بعد أن عرض آراء النحاة: "وما ذهب إليه أهل البصرة وتبعهم فيه الزمخشري وابن عطية من امتناع العطف على الضمير المجرور إِلَّا بإعادة الجار ومن اعتلالهم لذلك غير صحيح، بل الصّحيح مذهب الكوفيين وأنّه يجوز". اهـ
وأبو حيان بصرىٌّ، ومع ذلك عدل إلى مذهب الكوفيين! .
ينظر: "البحر المحيط" (٣/ ١٥٩)، دار الفكر، ط. ثانية سنة (١٣٩٨ هـ - ١٩٧٨ م).
1 / 30