تساقط أسنان ويضعف ناظر ... وتقصر خطوات ويثقل مسمع
فما من يوم تطلع شمسه لا وملك ينادي: يا أبناء الأربعين، هذا وقت أخذ الزاد أذهانكم حاضرة وأعضاؤكم قوية شداد، يا أبناء الخمسين، قد دنا الأخذ والحصاد، يا أبناء الستين، نسيتم العقاب وغفلتم عن رد الجواب.
ومن سار نحو الدار ستين حجة ... فقد حان منه الملتقى وكأن قد
وورد في «صحيح البخاري»: أعذر الله إلى امرئ آخر أجله حتى بلغ ستين سنة، وروي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام ، فقال: من أنت؟ قال: من لا يهاب الملوك، ولا يمتنع من القصور، ولا يقبل الرشاء.
قال: فإذا أنت ملك الموت ولم أستعد بعد، قال: يا داود، أين فلان جارك؟ أين فلان قريبك؟ قال: ماتا، قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد.
يا ساهيا لاهيا عما يراد به ... آن الرحيل وما قدمت من زاد
ترج البقاء صحيحا سالما أبدا ... هيهات أنت غدا مع من غدا غاد
آخر:
تمضي الحياة وأبناء الزمان به ... في غفلة بانصرام العمر ما شعروا
قيل: إنها تعرض على الإنسان في الدار الآخرة ساعات أيامه ولياليه في هيئة الخزائن، كل يوم وليلة أربع وعشرون خزانة بعدد ساعاتهما فيرى الساعة التي عمل فيها بطاعة الله خزانة مملوءة نورا فيفرح بذلك فرحا شديدا، والتي عمل فيها بمعصية الله مملوءة ظلمة، والتي لم يعمل فيها بطاعة ولا معصية يجدها فارغة لا شيء فيها.
فيعظم ندمه وحسرته إذا نظر إلى الفارغة، ويتمنى لو ملأها بذكر الله جل وعلا، قال جل وعلا وتقدس: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون}.
وقال عز من قائل: {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت} فالعامل بطاعة الله يكون فرحا مسرورا مغتبطا على الدوام يزيد فرحه واغتباطه ويكاد فؤاده يطير من شدة الفرح.
Sayfa 78