وقال: إن لله عبادا أخمصوا له البطون عن مطاعم الحرام وغضوا له الجفون عن مناظر الآثام.
وأهملوا له العيون لما اختلط عليهم الظلام رجاء أن ينير قلوبهم إذا تضمنتهم الأرض بين أطباقهم فهم في الدنيا مكتئبون وإلى الآخرة متطلعون.
فهم الذين لا راحة لهم في الدنيا وهم الذين تقر أعينهم بطلعة ملك الموت.
وقال في كلام له: قطعتنا غفلة الآمال عن مبادرة الآجال فنحن في الدنيا حيارى لا ننتبه من رقدة إلا أعقبتنا في أثرها غفلة.
فيا إخوتاه، نشدكم بالله، هل تعلمون مؤمنا بالله أغر ولنقمته أقل حذرا من قوم هجمت بهم العبر والأمثال، ثم رجعوا عن ذلك إلى غير قلعة ولا نقلة .
فإن تحسن أيها المرء يحسن إليك، وإن تسيء فعلى نفسك بالعتب فارجع فقد بين وحذر فما للناس على الله حجة بعد الرسل {وكان الله عزيزا حكيما}.
نزل جماعة من العباد ذات ليلة على الساحل فهيأ لهم أحد إخوانهم طعاما ودعاهم إليه فجاءوا فلما وضع الطعام بين أيديهم إذا قائل ينشد وهو على ساحل البحر هذا البيت:
وتهليك عن دار الخلود مطاعم ... ولذة نفس غيها غير نافع
فبكى القوم ورفع الطعام وما ذاقوا منه لقمة.
رويدك فالدنيا الدنية كم دنت ... بمكروهها من أهلها وصحابها
لقد فاق في الآفاق كل موفق ... أفاق بها من سكرها وصحابها
فسل جامع الأموال فيها بحرصه ... أخلفها من بعده أم سرى بها
وكم أسد ساد البرايا ببره ... ولو نابها خطب إذا ما ونى بها
فأصبح فيها عبرة لأولي النهى ... بمخلبها قد مزقته ونابها
وقال بعض العباد: لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غدا ما لذوا بعيش أبدا، والله إني لما رأيت الليل وهولة وشدت سواده.
Sayfa 70