{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}، فجعل مالك يبكي ويشهق حتى غشي عليه، فحمل بين القوم صريعا.
واحترق بيته فأخذ المصحف وأخذ القطيفة فأخرجهما، فقيل له: يا أبا يحيى، البيت، فقال: ما فيه إلا السندانة ما أبالي أن يحترق.
وروي عنه أنه كان يقول: إن الله عز وجل إذا أحب عبدا انتقصه من دنياه وكف عنه ضيعته، ويقول: لا تبرح من بين يدي، قال: فهو متفرغ لخدمة ربه عز وجل.
وإذا أبغض عبدا دفع في نحره شيئا من الدنيا، ويقول: أعزب من بين يدي فلا أراك بين يدي، فتراه معلق القلب بأرض كذا وبتجارة كذا.
وروي عن أبي عبدالله البراثي أنه كان يقول: حملتنا المطامع على أسوأ الصنائع نذل لمن لا يقدر لنا على ضرر ولا على نفع، ونخضع لمن لا يملك لنا رزقا ولا حياة ولا موتا ولا نشورا، فكيف أزعم أني أعرف ربي حق معرفته وأنا أصنع ذلك، هيهات هيهات.
قيل: إنه مر تاجر بعشار فحبسوا عليه سفينته، فجاء إلى مالك بن دينار، فذكر ذلك له، قال: فقام مالك فمشى إلى العشار، فلما رأوه، قالوا: يا أبا يحيى ألا تبعث إلينا حاجتك؟ قال: حاجتي أن تخلوا سفينة هذا الرجل.
قالوا: قد فعلنا، قال: وكان عندهم كوز يجعلون فيه ما يأخذون من الناس من الدراهم، فقالوا: ادع الله لنا يا أبا يحيى، قال: قولوا للكوز يدعو لكم، كيف أدعو لكم وألف يدعون عليكم، أترى يستجاب لواحد ولا يستجاب لألف؟
وقال الربيع: نصب المتقون الوعيد من الله أمامهم فنظرت إليه قلوبهم بتصديق وتحقيق، فهم والله في الدنيا منغصون، ووقفوا ثواب الأعمال الصالحة خلف ذلك.
فمتى سمعت أبصار القلوب وارتاحت إلى حلول ذلك فهم والله إلى الآخرة متطلعون بين وعيد هائل ووعد حق صادق لا ينفكون من خوف وعيد إلا رجعوا إلى شوق موعود.
فهم كذلك وعلى ذلك، وفي الموت جعلت لهم الراحة ثم يبكي.
Sayfa 69