وأيضا ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قطع يد سارق ثوب صفوان ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم ما باشر القطع، لكن أمر به، فأضيف الفعل إليه لما صدر عن أمره. وكذلك روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه جلد شارب الخمر أربعين، ولم يباشر الجلد بنفسه، لكن لما كان عن أمره جاز إضافة الفعل إليه. والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا. وأيضا يقال: جبى عمر رضي الله عنه خراج العراق، ولم يباشر الجباية بنفسه، لكن لما جبى بأمره جاز إضافة الفعل إليه. وكذلك يقال: افتتح عمر رضي الله عنه الشام والأمصار، وهو لم يباشر ذلك بنفسه، لكن الصحابة والجند بأمره، فصح بهذه الجملة أن التلاوة فعل التالي، لكن هي بأمر الله تعالى وإيجاده، فصح أن يضاف إليه القراءة والتلاوة على هذا الوجه، فأما المتلو والمقروء فليس بفعل لأحد بل هو كلامه القديم الذي هو صفة من صفات ذاته الذي ليس بمخلوق ولا يتصف بشيء من صفات الخلق.
### || ### || ### || فصل
ثم نقول لهؤلاء الجهلة الضلال: كيف يجوز لكم أن تقولوا إن القراءة هي المقروء، والتلاوة هي المتلو، والله تعالى قد فصل بينهما، وجعل القراءة فعل القارئ، والمقروء هو القرآن الذي هو كلام الباري، في غير موضع من كتابه.
أحدها: قوله تعالى: " فإذا قرأت القرآن " فأفرد القراءة عن القرآن، وأن القراءة فعل الرسول، والمقروء ليس بفعل لأحد، بل هو كلام الله القديم، وهذا كقوله تعالى: " واذكر ربك " فأفرد الذكر عن المذكور، فالذكر فعل الذاكر، والمذكور هو الله تعالى القديم الذي " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " . وأيضا قوله تعالى: " فاقرؤا ما تيسر من القرآن " وقوله تعالى: " أتل ما أوحى إليك من الكتاب " وقوله تعالى: " وأن أتلو القرآن " وقوله تعالى: " إن الذين يتلون كتاب الله " وفي القرآن أكثر من ألف موضع يدل على الفرق بين التلاوة والمتلو، والقراءة والمقروء، لمن له حس سالم، وعقل ثابت. ومن القدر الذي قدمناه دليلان: أحدهما: أنه تعالى ذكر تلاوة، ومتلوا، وقراءة، ومقروءا، فبطل بذلك زعمهم أنه شيء واحد.
الثاني: أنه أمر بالقراءة والتلاوة، والأمر هو استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه. والصفة القديمة التي هي المقروء، والمتلو لا يصح فيه الفعل ولا استدعاء الفعل، فصح أن المأمور به استدعى غير المقروء، والمتلو هي القراءة والتلاوة. فافهم هذا التقرير فإنه يوجب الفرق بين الأمرين، ضرورة الإشكال فيه. ثم نقول لهم: القراءة قد اختلفت وتنوعت أنواعا، أفتقولون إن المقروء الذي هو القرآن مختلف متنوع ؟ فإن قالوا: نعم كفروا، وإن قالوا: لا فقد ثبت أن الذي جاز عليه الاختلاف والتنوع غير الذي لم يجز عليه ذلك، وأيضا فإن كل قراءة منسوبة إلى قارئها، فيقال هذه قراءة أبي، وهذه قراءة ابن مسعود، وكذلك في سائر القراءات، ولا يجوز أن ينسب المقروء الذي هو القرآن إلى أحد من الخلق، فيقال هذا قرآن أبي ولا قرآن ابن مسعود، فصح أن القراءة فعل القارئ، فصح أن تنسب قراءة كل واحد إليه، لأنها فعله الذي يثاب ويمدح عليها تارة ويعاقب ويندم عليها أخرى، والمقروء بسائر القراءات كلام الله تعالى الذي ليس بفعل لأحد، فصح الفرق بين الأمرين.
فصل
ثم نقول لهم: ما تقولون فيمن قال: إن قرأت بقراءة أبي جعفر يزيد القعقاع شيخ نافع فعبدي حر، فقرأ بقراءة الجحدري عاصم، أيعتق عبده أم لا ؟ ليس فيه خلاف بين المسلمين. ولو قال إن قرأت مقروء ابن كثير فعبدي حر، فقرأ بقراءة ابن عامر عتق عبده، لأن المقروء شيء واحد، وإن اختلفت القراءات.
فصل
ثم نقول: لو اجتمع مائة قارئ فقرأ القرآن أليس عدة القراء مائة، كل واحد منهم يثاب على قراءته، فالثواب مائة ثواب على مائة قراءة، أفتقولون: إن القرآن الذي قرؤوه بقراءتهم مائة قرآن أم قرآن واحد، فلا يقول عاقل إلا أنه قرآن واحد، لكن القراءات متعددة، فصح الفروق بين القراءة والمقروء.
Sayfa 44