وقد رُوِيَ -أيضًا- عن مالك ما ظاهره، أنه يجب الاستئذان على من لم يجد وفاءً من دَيْنِهِ (١)، ولا استئذان على من ترك وفاءً.
ذكر أبو الوليد بن رُشد (٢) قال: حكى ابن حبيب في «الواضحة» عن مالكٍ، أنه كان يوسِّع لمن عليه دينٌ أن يغزو إذا خلَّف وفاءً من دينه، أو: أذن له غرماؤه بالخروج (٣) إن لم يَدَعْ وفاءً من دَيْنِهِ، قال أبو الوليد: وذلك بعيد.
فأقول: يحتمل أن يكون وجهه أنه إذا خلَّف وفاءً، فلم يتعرض لإتلاف حقٍّ الغريم بتعرِّضه للقتل في الجهاد، وإذا لم يُخلِّف وفاءً، وذِمَّتُه بالحق معمورة، والغزو مظنة الهلاك، ففي ذلك تلفٌ لحق الغريم، فوجب ألاّ يجوز إلا بإذن صاحب الحق، وهذا ظاهر، وعليه يجيء مذهب الشافعيِّ في مَنْع المديان على الإطلاق من الغزو (٤)، والله أعلم.
والقول في استئذان المِدْيان -كما تقدم فيمن له أبوان-: هو إذا لم يتَعيَّن الفرض، فإذا تعيَّن؛ لم يكن لأحدٍ في دفعه اختيار.
*****
_________
= ١١)، وهو قول الشافعية على الصحيح، انظر: «روضة الطالبين» (١٠/٢١٠)، «حاشيتا قليوبي وعميرة» (٤/٣٢٨) .
(١) هذا اختيار ابن عبد البر في «الكافي» (١/٤٦٤) . وانظر: «الفواكه الدواني» (١/٦٢٧)، وهو مذهب الحنفية والحنابلة. انظر: «البحر الرائق» (٥/١٢١)، «حاشية ابن عابدين» (٦/٢٠٤)، «كشاف القناع» (٢/٣٧٢)، وبعدها في المنسوخ: «أو: أذن له غرماؤه بالخروج» . وفوقها علامة الحذف.
(٢) في «البيان والتحصيل» (٢/٥٣٠) .
(٣) في مطبوع «البيان والتحصيل»: «وإن لم يدع وفاء من دينه» . بواو العطف في (إن) . وبعدها: «فظاهر قوله أنه ليس عليه أن يستأذن غريمه، إلا إذا لم يدع وفاءً» . ثم قال: «وذلك بعيد» .
(٤) الصحيح من مذهبهم عدم اشتراط إذن الدائن، إذا حلّ عليه الدين وهو معسر، والاشتراط وجه عندهم فحسب. انظر: «المهذب» (٢/٢٢٩)، «روضة الطالبين» (١٠/٢١٠، ٢١١)، «تحرير الأحكام» لابن جماعة (ص ١٥٨)، «حاشيتا قليوبي وعميرة» (٤/٣٢٨) .
1 / 60