فهو مأمورٌ كل وقت بالقضاء، ففعله ما يحول بينه وبين ذلك من غير إذن صاحب الحق لا يحلُّ له.
خرَّج مسلم (١) عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «مَطْلُ الغني ظلم، وإذا أُتبع أحدكم على مليءٍ فَلْيتبَعْ» .
وأما إذا لم يَحُلْ، فلا حَقَّ عليه الآن في الأداء (٢)، فلا يتَّصف بالمطلِ، فليس عليه أن يستأذنه، لكن عليه باتفاقٍ أن يوصي به، ويُوكِّل على قضائه، فإذا فعل ذلك فقد أدَّى ما لزِمه ساعتئذٍ، وقد قال ﷺ: «وإذا أُتبع أحدكم على مليءٍ فَلْيتْبَعْ» (٣) .
وأما إن كان عديمًا لا يجد قضاءً، ولا يرجو كسبًا، فهذا روي عن مالك أنه
سُئِل عنه فلم يرَ بجهاده بأسًا، يعني: وإن لم يستأذن غريمه، وهذا ظاهر؛ لأنه لا منفعة له في منعه، وليس ممّن عليه حبسٌ ولا سلطان، بل هو مخلًّى بإنظار الله ﷿ إيَّاه، فلا يجب له عليه شيءٌ، ما دام على حالته تلك. قال بعض المتأخرين: ولعله يُرزق في الغزو ما يؤدي به دَينه، ففي الغزو خيرٌ لهما (٤) .
_________
(١) في «صحيحه» في كتاب المساقاة (باب تحريم مطل الغنيِّ، وصحَّة الحوالة، واستحباب قبولها إذا أُحيل على مليء) (٣٣) (١٥٦٤) .
وأخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب الحوالات (باب في الحوالة، وهل يرجع في الحوالة) (رقم ٢٢٨٧) .
وفي الباب الذي بعده (رقم ٢٢٨٨)، وفي كتاب الاستقراض (باب مطل الغني ظلم) (رقم ٢٤٠٠) -مختصرًا-.
(٢) استدل المانعون -وهم الشافعية، ويدل عليه كلام الإمام الشافعي في «الأم» (٤/٨٦) - أنه إنْ خرج ولم يترك وفاءً أو وثّق الدين برهن، أو أقام كفيلًا، فإن خروجه يعرّضه للقتل، فلا يؤمن أن يقتل فيضيع دينه، ويدل عليه صنيع عبد الله بن عمرو بن حرام -والد جابر-، فإنه خرج إلىأُحد وعليه دين كثير، واستشهد، وقضاه عنه ابنهُ بعلم النبي ﷺ، ولم يذمه النبي على ذلك، ولم ينكر فعله، بل مدحه، وقال: «ما زالت الملائكة تظلّه بأجنحتها حتى رفعتموه» أخرجه مسلم (٢٤٧١) .
(٣) سبق تخريجه قريبًا.
(٤) انظر: «الذخيرة» (٣/٣٩٥)، «المقدمات الممهدات» (١/٣٥١)، «حاشية الخرشي» (٤/ =
1 / 59