يحكي القاضي أبو محمد عبد الوهاب (١) أنه لا خلاف بين الأمة في وجوب الجهاد، يعني: على الكفاية. وقد نقل غيره في ذلك قولين شاذين:
أحدهما: أنه فَرْضُ عينٍ مرّةً في العُمر على كل مستطيع كالحج.
قال أبو بكر بن المنذر: روينا عن داود بن أبي عاصمٍ أنه قال: الغزو واجبٌ على الناس أجمعين، غزوة كهيئة الحج (٢) .
قال ابن المنذر: وقال مَعْمر: كان مكحول يستقبل القبلة، ثم يَحلِف عشر أيمان: أنَّ الغزو واجب، ثم يقول: إن شِئتُم زِدتكم.
_________
= وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن نَصْر المروزي في كتابه «السنة» (١٣٢) بعد كلام:
«... فوجدنا الكتاب والسنة قد دلا على أن الجهاد غير مفروض على كل مسلم في خاص نفسه، فقال: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢]، فدل ذلك على أن فرض الجهاد إنما هو على أن ينفر من فيه الكفاية، فإذا نفر من فيه الكفاية سقط المأثم عنهم جميعًا، وإن لم ينفر من فيه الكفاية أثموا معًا؛ لقوله: ﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [التوبة: ٣٩] . قال بعض أهل العلم: يعني: إنكم إن تركتم النفير كلكم عذبتكم» .
وانظر: «رسالة الإرشاد إلى بيان الحق في أحكام الجهاد» لأحمد بن يحيى النَّجمي (ص ٦٢- وما بعدها) .
وانظر: «أحكام القرآن» (٤/٣٧٢-٣٧٣) للجصاص، «تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام» لبدر الدين بن جماعة (ص ١٥٤) .
(١) في كتابه «المعونة» (١/٦٠١، ٦٠٢) .
وانظر: «التلقين» له (١/٢٣٨)، و«التفريع» لابن الجلاَّب (١/٣٥٧)، و«الرسالة» لابن أبي زيد القيرواني (١٨٩)، «فتاوى البرزلي» (٢/٨)، و«بداية المجتهد» لابن رشد (٦/٥)، و«مراتب الإجماع» لابن حزم (ص ١١٩) .
(٢) أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (٥/١٧١/رقم ٩٢٧٢) عن ابن جريج عن داود بن أبي عاصم، به.
وهو مذهب سعيد بن المسيب. انظر: «مصنف ابن أبي شيبة» (٥/٣٥١)، «المغني» (١٣/٦)، و«النوادر والزيادات» (٣/١٨)، و«الذخيرة» (٣/٣٨٥)، «فتاوى البرزلي» (٢/٧، ٨) .
1 / 28