الفائدة تمر بخاطره، ثم يطفئ سراجه، وقد يفعل ذلك قريبًا من عشرين مرة في الليلة الواحدة (١).
٣ - وكانت نتيجة هذا كله الإلمام الواسع بالأحاديث صحيحها وسقيمها، وبجميع الرواة العدول منهم والمجرحين، فحفظ في سن مبكرة كتب إمامين كبيرين من أئمة الحديث، وهما عبد اللَّه بن المبارك، ووكيع بن الجراح (٢)، وكان ذلك في السادسة عشرة من عمره، وفي الثامنة عشرة كان قد بلغ درجة من العلم في فقه الصحابة تمكنه من التصنيف فيه.
يقول: "لما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء -يعني أصحاب الرأي- فلما طعنت في ثماني عشرة سنة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين" (٣).
ويقول مبينًا مدى معرفته بأحاديث الصحابة والتابعين: لا أجيء بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكرهم ووفياتهم وأماكنهم، ولست أروي حديثًا من حديث الصحابة والتابعين -يعني من الموقوفات- إلا وله أصل حفظ عن كتاب اللَّه تعالى، وسنة رسوله ﷺ (٤).
٤ - ولم يكن البخاري جمَّاعًا للعلم الكثير دون نظر وتمحيص، وإنما كان ينتقي رجاله، ويستوثق من أحاديثهم؛ يقول: لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء، كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه، وكنيته، ونسبته،
_________
(١) المصدر السابق (ص: ٤٨٣)، وطبقات الشافعية (٢/ ٢٢٠).
(٢) تذكرة الحفاظ (٢/ ٥٥٥).
(٣) هدي الساري (ص: ٤٧٩).
(٤) المصدر السابق (ص: ٤٨٨).
مقدمة / 8