سمعه من المحدثين مرة واحدة.
إن هذا ولا شك -كما قدمنا- يدل على حافظة قوية، وبديهة حاضرة، وحفظ متمكن (١).
٨ - ويزين علم الرجل هذا ورع وتقوى وزهد؛ فتنأى به كلها عن الغرور الذي يفسد بعض العلماء، وعن الانشغال بالدنيا وتسخير العلم لمغرياتها والتكالب عليها، فيتخلق بأخلاق لا تليق بما يحمله من العلم النبوي الشريف.
ومن مظاهر هذه في حياة الرجل:
(أ) أنه كان لا يشتري لنفسه شيئًا ولا يبيعه، وإنما يوكل في هذا غيره؛ لخوفه من أن ينزلق فيما يغضب اللَّه تعالى، ولو من غير قصد منه، وللنأي بسمعه ولسانه عن السوق، وما يحدث فيه من لغو وباطل، يقول: ما توليت شراء شيء قط ولا بيعه، كنت آمر إنسانًا فيشتري لي، قيل له: ولِمَ؟ قال: لما فيه من الزيادة والنقصان والتخليط (٢).
(ب) وكان له مال كثير ينفق منه سرًّا وجهرًا على طلاب العلم ما يلزمه في ذلك من شراء الورق والرحلة يقول: كنت أستغل في كل شهر خمسمائة درهم فأنفقها في الطلب، وما عند اللَّه خير وأبقى (٣).
وخرج يومًا إلى أحد شيوخه فتأخرت نفقته، فجعل يتناول من خضروات الأرض، ولا يسأل أحدًا شيئًا حتى وصل إليه المال (٤).
_________
(١) المصدر السابق (ص: ٤٨٧).
(٢) هدي الساري (ص: ٤٨٠).
(٣) المصدر السابق (ص: ٤٨٠).
(٤) المصدر السابق (ص: ٤٤٠).
مقدمة / 11