المحدثين، وطبيب الحديث في علله، ويقول الإمام الترمذي: لم أر أحدًا بالعراق، ولا بخراسان في فهم العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل.
وقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري (١).
٧ - وقصته مع أهل بغداد تدل سعة علمه، كما تدل على ذكائه وقوة حافظته.
لما قدم بغداد اجتمع عليه علماؤها وأرادوا امتحانه، فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها -يعني جعلوا متن هذا لإسناد ذاك، وإسناد ذاك لمتن هذا- ثم أعطوا كل واحد منهم عشرة أحاديث منها، فألقى عليه الأول العشرة التي عنده، فكان كما ذكر حديثًا قال له البخاري: لا أعرفه، وهكذا حتى انتهى العشرة من سرد ما عندهم، فصار الجهلاء من الحاضرين يحكمون على البخاري في أنفسهم بالعجز والتقصير، وأما العلماء منهم فيقولون: فَهِمَ الرجل.
ثم التفت البخاري إلى الأول، فقال له: أما حديثك الأول فصحته كذا، وأما حديثك الثاني فصحته كذا، حتى انتهى من الأحاديث العشرة.
ثم التفت إلى الثاني والثالث، وهكذا إلى العاشر، يذكر الحديث المقلوب، ثم يذكر صحته، فلم يجد علماء بغداد بُدًّا من الاعتراف له بالحفظ والتبريز والإحاطة.
والعجيب -كما قال ابن حجر- هو سرده للأحاديث على الترتيب الذي
_________
(١) هدي الساري (ص: ٤٨٦).
مقدمة / 10