قال العلماء: كان ﷺ يُريدُ أن يَنزِلَ عليه وحْيٌ بإِمامةِ أبي بكر فلم يَنزِل عليه ذلك، فأُلهمَ ﷺ بالتنبيه لوجه المصلحة بالاستنابة في الصلاة، حرصًا على مصلحة الأُمَّة بالتلويح، وأدبًا مع الربوبية بعدمِ التصريح، فكمَلَ له الشَّرَف، وانتظمَتْ له ولأمَّته المصلحة ﷺ.
_________
= ويُقدَّم في القضاء من هو أعرفُ بالأحكام الشرعية، وأشدُّ تفطنًا لِحجاج الخصوم وخُدَعِهم، وهو معنى قوله ﵇ "أقضاكم علي" أي هو أشدُّ تفطنًا لِحجاج الخُصوم وخُدَع المتحاكمين. وبه يظهر الجمعُ بينه وبين قوله ﵇: "أعلمُكم بالحلال والحرام مُعاذُ بنُ جبل". فإنه إذا كان معاذٌ أعرفَ بالحلال والحرام كان أقضَى الناس، غير أن القضاء لمَّا كان يَرجعُ إلى معرفة الحِجَاج والتفطُّنِ لها كان أمرًا زائدًا على معرفة الحلال والحرام، فقد يكون الإنسانُ شديدَ المعرفة بالحلال والحرام وهو يُخدَعُ بأيسر الشبهات.
فالقضاءُ عبارةٌ عن هذا التفطُّن، ولهذا قال ﵇: "إنما أنا بَشَر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم يكونُ ألحنَ بحُجَّتِه من بعض، فأقضِي له على نحو ما أَسَمع". الحديث. فدَلَّ ذلك على أن القضاء تَبَعُ الحِجَاجِ وأحوالِها، فمن كان لها أشدَّ تفطنًا كان أقضى من غيره ويُقدَّم في القضاء.
وإنَّ الأسباب المُوجبة للتفضيل قد تتعارض، فيكون الأفضلُ من حازَ أكثرَها وأفضلَها، والتفضيلُ إنما يقع بين المجموعات، وقد يَختصُّ المفضولُ ببعضِ الصفات الفاضلة، ولا يَقدحُ ذلك في التفضيل عليه، لقوله ﷺ: "أقضاكم علي، وأَفْرَضُكم زيد، وأقرؤكم أُبَيّ، وأعلمُكم بالحلالِ والحرام معاذُ بنُ جبل" ﵃.
مع أنَّ أبا بكر ﵁ أفضَلُ الجصيع، وعليُّ بن أبي طالب أفضلُ من أُبَيّ وزيد، ومع ذلك فقد فَضَلاه في الفرائض والقراءة، وما سبَبُ ذلك إلا أنه يَجوزُ أن يَحصُلَ للمفضول ما لم يَحصُل للفاضل، والفرقُ بين الأفضلية والمزية أن المفضول يجوز أن يَختص بما ليس للفاضل، فيكون المجموعُ الحاصلُ للفاضل لم يَحصُل للمفضول".
1 / 52