ثم تأمل معاني هذه الكلمات وضحك، ومزق الورقة. •••
وكثرت المواعيد والمقابلات، وكانا يخرجان لمقابلة الربيع في الحقول؛ حيث يعبق الجو بأزهاره، وحيث تنشد الطيور أشعارها على الأشجار، ثم تكون بينهما كلمات وهمسات وقبلات، ثم يفترقان ويعود الأستاذ ماجد إلى منزله ليتلقى وخزات ضميره: ما الذي يبغي من هذا الحب؟ إنه يعبث بالفتاة. وصحيح أنه مخلص في حبه صادق في إحساسه، ولكن مكانة كل منهما الاجتماعية، والفرق الشاسع بين عمريهما، يجعلان من كل هذه المقابلات عبثا؛ إذ لن تنتهي بزواج.
ثم يعتذر أمام ضميره فيقول: ولكنها تنتفع بحديثي؛ لأني أربيها.
ولكن ضميره يرد في غلظة: أنت تغالط، وأنت تعرف أنك تثلم شرفها بالإشاعات، وتعطل زواجها من شاب في عمرها يعطيها قدر ما تعطيه من قلبها، وهذا ما لا تقدر أنت عليه؛ خير تربية لها هو زواجها.
ثم تغمر ذهنه غيمة من الظلام والأسف؛ لأن عقله يناقض قلبه. أجل، يجب أن يعترف بالحق، وأن يقول لها إنهما لا يتكافآن؛ إذ هو في سياق الموت، وهي في انتظار الحياة، هو في خريف العمر، أو في شتائه، أما هي فلا تزال في ربيع عمرها.
وبعد أيام قصد الأستاذ ماجد إلى الآنسة «نفس» وأخبرها بضرورة انفصالهما، وقال: لا أعرف إذا كنت عاقلا أم جبانا، ولكن على أية حال يجب أن تتزوجي شابا في سنك، وأن تسكبي عليه كل ما عندك من حب، أما أنا فحسبي عبقرية الذهن، أما عبقرية الحياة فقد مضى أوانها عندي.
وفزعت «نفس» من هذا التغير، وأصرت على أنهما زوجان؛ زوجان في الروح، وأنها لا تطلب أكثر من ذلك.
ولكن الأستاذ ماجد أصر أيضا على أنها يجب أن تتزوج وتحيا حياة بعيدة عنه؛ لأنه لا يكفل لنفسه أو لها السلامة في هذا الحب الذي وصفته بأنه «روحي».
إن هذا الحب بلا شك، إلى الآن، كما وصفته، ولكن هل يمكنهما الصبر على ذلك طويلا؟ وما بقي من عمره هو سنوات معدودات، وقد لا تكون أكثر من شهور، أما هي فأمامها نصف قرن، وعليها أن تختار هذا الشريك الذي يرافقها في هذه الرحلة الطويلة.
وقال: لا بد من الانفصال، لا بد.
Bilinmeyen sayfa