ثم صمت، وعاد إلى الكلام وقال: عودي إلى الحياة، وسأعود إلى مكتبي.
وتألمت «نفس» وبكت، وتوسلت، ومسح هو دموعها، وقبل شعرها ووجهها وهو يرتعش، ثم جرى الحديث بينهما كما لو كان عتابا واعتذارا بين عاشقين، واقتنعت هي، من حيث لم يقل لها، فإن فراقهما هو الوسيلة الوحيدة لأن يعود الأستاذ ماجد إلى دراساته التي انقطع عنها لاشتغال قلبه بحبها.
ثم صار الحديث وداعا ودموعا، أنها لن تنساه، أنه لن ينساها، ولن تنقطع المكاتبات بينهما حتى بعد أن تتزوج من شاب في عمرها، وقالت وهو يمسح دموعها: إن ما يربطني بك أقوى من أية رابطة أخرى.
وتزوجت «نفس» من أحد الأطباء الشبان، وأصرت على استبقاء هذا الاسم الذي يذكرها على الدوام بزواج روحي سابق لن يلغيه طلاق، أما الأستاذ ماجد فقد أحس أنه لا يطيق رؤية مكتبه وقراءة كتبه، فتجهز وسافر إلى الهند في «رحلة ثقافية»؛ كي يختبر الحياة بما بقي له من وسائل الاختبار.
وبعد سنين كان أصدقاء الأستاذ ماجد العارفون يقولون إنه كان عاقلا، أما هو فكان يقول عن نفسه إنه كان جبانا.
الفصل السابع
طلقت أخي
وجمعنا الأقارب للصلح، وأي صلح هذا؟ أليس لنا أرض ولنا دخل؟ فما معنى الصلح إلا أن نحصل على هذا الدخل؟!
طلقت أخي، وانفصلت منه، وقد مضى علي أكثر من عشر سنوات وأنا لا أعرفه، ولم أذكره إلا لأني قرأت نعيه في الجرائد.
وفي هذا الكلام قسوة، بل خشونة تأباها الرقة والذوق، ولكنه هو الحق، على الرغم من الأخلاق الإقطاعية التي لا تزال تلابسنا، وتوجه عواطفنا، وتطالبنا بالخضوع لنظام بطريركي في العائلة، وهو نظام قد أصبحت الظروف الجديدة تصرخ بإلغائه.
Bilinmeyen sayfa