وترك السهرة وعاد إلى منزله، وفي نفسه أغنية؛ فإن صورة هذه الفتاة لم تبرح ذهنه؛ إنها حين كانت تتحدث كانت ترفع رأسها إليه، فكان يرى عنقها الذي يستهدف ذقنها من أعلى وينساح عن صدرها من أدنى، وهو يذكر أنه وهو قاعد إليها قد تخيلها وقد أرسلت شعرها على وجهها، فانساح حول وجهها إلى كتفيها، ثم تأمل عينيها ونظر إليها، ثم من خلالهما، إلى هذا الذهن الذي يسأل ويستطلع في ذكاء وقصد. أنها تمتاز بعقل متسائل.
ثم طرد هذه الخواطر وهو يقول: كأني أحبها! رجل في الخامسة والستين يحب فتاة في الخامسة والعشرين؟! حب عقيم، وهو على كل حال من طرف واحد ؛ إذ لا يعقل أنها يمكن أن تحبني!
وفي صباح اليوم التالي عاد خيالها يتجسم، وعاد هو يتخيل ويتحدث إليها ويستمع إلى إجابتها، ثم يطرد هذه الخواطر بعزم وعنف.
ثم قال: الواقع أني لا أحبها، ولا يعقل أني أحبها، وكل ما في الأمر أنها شغفتني بإعجابها بي وبحديثها.
ولكن ساعي البريد جاء بعد يوم بخطاب منها، وعرف أن اسمها «فتنة»، ولم يجد في الخطاب غير سطور عن إعجابها به وشكرها له، ثم رجاء بلقاء آخر.
فعاد يتأمل، ثم يفكر، وماذا لو لقيته؟ لعله يحتاج إلى مثل هذا اللقاء الذي يكسبه إحساسا مجددا بالشباب، كما تنتفع هي بحديثه. نعم، هو لقاء تلميذة بأستاذها.
وتقابلا، ثم تكرر اللقاء، ولم يكن يخاطبها باسم فتنة؛ لأنه وجد في ذكائها وإنسانيتها ما جعله حين يخاطبها يقول: يا نفس.
كان يحس أنها نفس أكثر مما هي جسم، وأنها إحساس أكثر مما هي تفكير، وأحبت فتنة هذا الاسم، وقالت: جميل هذا الاسم؛ اسمي نفس.
وسطعت «نفس» على حياته وأشرق ذهنه، وكان في الصباح، وهو قاعد في مكتبه، يتناول القلم ثم يؤلف بيتين من الشعر، لا يتمهما حتى يضحك ويمزق الورقة.
وذات صباح، وهو في مكتبه، تذكر «نفس»، فأحس انتعاشا واعتلاء، وكتب هذه الكلمات: «إني ما زلت أقتفي أثر شبابي وأنزع نزعته»!
Bilinmeyen sayfa