ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Yayıncı
دار الفكر العربي
كبيرة)) لعله وقد دخل في سن الشيخوخة إذ كان قد بلغ الخامسة والستين أحس بأنه في حاجة إلى الابتعاد عن ضجة الناس؛ وقد بلغ دعوته؛ أو أنه قد أصبح في حاجة إلى هدوء ليسجل آراءه ويدونها ليتلقاها الأخلاف، وقد نشرها بين معاصريه وجادل عنها؛ ولم يترك سبيلاً لإعلانها في جموعهم إلا أعلنها، وبينها في لسان عربي مبين، وبلاغ واصل إلى حبات القلوب يقبله الموافق ويخضع له المخالف.
ولذلك لما انتقل الشيخ إلى القلعة غير مضيق عليه إلا بالإقامة في ذلك المحبس عكف على أمرين - كلاهما أمد الآخر، وسقاه.
(أولهما) العبادة، فقد وجد في هدأة السجن فرصة لمناجاة ربه في شيخوخته، وقد أحس بالموت يدب في جسمه دبيباً، فانصرف إلى العبادة خاشعاً خاضعاً ملتزماً السنة، حتى أصبح كأنه يرى الله لفرط خشيته وخضوعه والتزامه لشرعه عن إخلاص فياض، وإيمان مثبت، وعقل متفكر، ونفس خاشعة، وزكى ذلك بتلاوة القرآن الكريم، وهو الذكر الأكبر.
(وثانيهما) الاتجاه إلى تمحيص آرائه وتدوينها وهو في هذا الهدوء الشامل، الباعث على التأمل، وبين يديه الكتب يراجع فيها وينقب؛ وقد كتب في ذلك كثيراً من تفسير القرآن الكريم، ولعل الذي كان يبعثه إلى ذلك التلاوة المستمرة له، أو سؤال يجيء إليه، أو بحث يدعو إليه؛ وكتب في المسائل التي خالف فيها عدة مجلدات، منها رسالة في الرد على بعض القضاة: المالكية في مصر، واسمه عبد الله ابن الإخنائي، وسماها الإخنائية (١)، وله ردود على ذلك القاضي..
٩٧- ويظهر أن هذه الردود وتلك المجلدات كانت تخرج بين الناس، أو يذيع الخبر عنها بين العلماء، ويتحدثون في شأنها والاستدلال الذي اشتملت عليه فيذيع بين الناس الرد، كما لو كان صاحبه يسير بين الناس، ويغشى المجتمعات
(١) قد يكون موضوعها موضوع دراستنا عند بحث آرائه إن شاء الله تعالى إن كان فيه ما ليس في كتبه، وهي مطبوعة في مصر.
87