89

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Yayıncı

دار الفكر العربي

لأن الممنوع المخبوء إن عرف ذاع أكثر من المعلن المكشوف، إذ أن النفوس تتطلع إليه فتطلبه وتبحث عنه وتقرؤه بعناية؛ لأنه يكون كالشيء النفيس يعثر عليه ويكشف عنه؛ فلا يلبث إلا قليلا، حتى تتناوله الأيدي ويتبادله الناس.

عندئذ وجد الذين يريدون محاربة آرائه وأفكاره أنهم حبسوا شخصه، ولم يحبسوا فكره ورأيه، فسعوا سعيهم ومكروا مكرهم عند ذوي السلطان ليمنعوا ذلك النور أن يشرق من ردهات السجن، فيضيء بين العلماء، والمبطلون دائما أعداء للضوء المنير.

ولقد كان من نتيجة تلك الدعايات الخفية والظاهرة أنه في اليوم التاسع من جمادى الآخرة سنة ٨٢٨ أخرج ما كان لدى الشيخ رضي الله عنه من الكتب والأوراق والمحابر والأقلام، ومنع منعا باتا من المطالعة، وحملت كتبه التي كان يكتبها، أو يراجعها في مستهل رجب من هذه السنة إلى المكتبة الكبرى بالعادلية، وكانت نحو ستين مجلدا وأربع عشرة ربطة كراريس فنظر القضاة والفقهاء فيها وتفرقوا بينهم، واستمرت محفوظة بهذه المكتبة.

ولقد ذكر ابن كثير السبب في ذلك الضيق الجديد فقال: كان سبب ذلك أنه أجاب لما كان رد عليه به التقي بن الإخنائي المالكي في شأن الزيارة، رد عليه الشيخ تقي الدين، واستجهله. وأعلمه أنه قليل البضاعة في العلم، فطلع الإخنائي إلى السلطان وشكاه فرسم السلطان عند ذلك بإخراج ما عنده من ذلك، وكان ما كان(١))).

٩٨- منع الشيخ من الكتابة، بل أرادوا أن يمنعوه من التفكير، وحينئذ بلغ الضيق أقصاه لهذا المفكر المجاهد؛ وحسبك أن تعلم أن ذلك الكاتب المتفكر المتدبر الذي عكف على تقييد خواطره أكثر من سنتين في سجنه يمنع من ذلك التنفيس الفكري، ويقيد ذلك التقييد العقلي، ويمنع من كتبه التي هي مهجة قلبه

الجزء الرابع عشر من تاريخ البداية والنهاية ص ١٣٤

88