ولكنه أخطأ في حسبانه؛ فإن والديها كانا قد عقدا نيتهما على أن يزوجاها من ذلك الشريف الفلاخي راكوفتز، فلما رجعت هيلين إليهما أخذا في تقريعها، وحبساها في غرفة لا ترى أحدا سواهما.
وطالت مدة حبسها، وأهلها وذوو قرابتها يترددون عليها ويترضونها بكل الأساليب. وكانت في نفسها رفعة من لاساله، أحدثها عدم موافقته على السفر والزواج. وأخيرا بعد طول الجدال رضيت أن تكتب إلى لاساله خطابا، تقطع فيه ما بينهما من صلة الحب السابق، وتنبئه بعزمها على الزواج، وعقدت خطبتها على راكوفتز.
وبلغ ذلك لاساله فاستشاط غضبا، وأرسل في الحال إلى راكوفتز يطلب مبارزته. ولم يكن راكوفتز يحسن شيئا في العالم قدر المبارزة، فسارع إلى تلبية الطلب.
التقى الاثنان في جنيف في سويسرا، وأخذ كل منهما شاهديه، وخرجا بعيدا حتى جرت المبارزة، وانتهت بأن جرح لاساله جرحا بالغا، كان شديد الألم، لم ينقطع تأوه لاساله منه إلا عند وفاته بعد ثلاثة أيام من المبارزة.
وتزوجت هيلين من هذا الفلاخي، ولم يدم زواجهما سنة؛ إذ مات بالسل بعد نحو خمسة أشهر. وتزوجت بعد ذلك من رجل آخر، ثم احترفت التمثيل. وقد وضعت كتابا عن ذكرياتها عن لاساله، أدر عليها ربحا كبيرا، وصفت فيه زعيم الاشتراكية الألماني، وضمنته أهم خطاباته إليها. وقد ألف الكاتب الإنجليزي جورج ميريديث قصة عن حب لاساله وهيلين، وهي من أبدع قصصه.
جامبتا وصاحبته
مضى على الجمهورية الفرنسية أكثر من نصف قرن. وقد ماتت النزعة الملوكية في فرنسا أو كادت. وليس يعزى انتشار الفكرة الجمهورية، وخمول المذهب الملوكي، إلا إلى جامبتا.
كان ليون جامبتا من أهل جنوب فرنسا، ولم يكن خالص الدم الفرنسي؛ إذ كان أبوه إيطاليا. وكانت صفات أهل الجنوب متجسمة فيه. ومن الناس من يقول إنه كان بدمه عرق شرقي. وعلى كل حال، فإنه من حيث الخلق، كان مندفع العواطف ثائرها، يميل إلى البلاغة الخطابية شأن الفرنسيين والشرقيين. والفرنسي أقرب الناس طبعا وخلقا إلى الشرقيين.
ونال جامبتا شهادة المحاماة وهو في الحادية والعشرين، وسار توا إلى باريس، حيث أخذ في مقاومة نابليون الثالث، فكان يخطب في تبيان الأضرار الناشئة عن نظام الإمبراطورية، وعرقلته للحرية ولرقي البلاد، ووجوب استبدال هذا النظام بالجمهورية.
وكان جامبتا في هيئته يخالف الفرنسيين بعض المخالفة؛ فقد كان لون بشرته زيتونيا، وكان جافي الطبع، مغرما بالثوم والزيت، إذا خطب تحركت جميع جوارحه، كأنه كان يترنح ببلاغته، وكان لعابه يتطاير من فيه، فكان أعداؤه لهذا السبب يلقبونه بلقب: «المجنون الغضبان».
Bilinmeyen sayfa