ولو كانت الارزاق تجري على الحجى ... اذن هلكت من جهلهن البهائم
ثم ان المذكور قليل التردد الى القضاة ولكن الزمه العبد مرة بالاجتماع بمولانا قاضي القضاة - أدام الله تعالى أيامه - وقلت له، ان من المتعين في ايام سعادتكم اكرام الفاضل واحترامه. فوعد بان يكرم مثواه ويبلغه مناه، فاتفق في تلك الايام انحلال شيء من الجوالي، فانعم عليه بذلك اغتنامًا لدعائه المتوالي.
أحمد بن القاسم، واما الفاضل المحقق، والعلامة المدقق، الشيخ شهاب الدين احمد بن قاسم الفاضل المشهور، فانه في انواع الفضائل مساو للشيخ يوسف المذكور، وهما في الفضل فرسا رهان، ورضيعا لبان، وممارسا فصاحه وبيان، بل هما في التساوي والتشابك، والتشاكل والتشارك، كما قال البحتري:
كالفرقدين اذا تامل ناظر ... لم يعل موضوع فرقد عن فرقد
وقد تفضل مولانا قاضي القضاة - عامله الله تعالى إليه - ورتب للفاضل المذكور شيئًا من الجوالي علي المقدسي: واما مولانا المحقق العلامة، والامام الكامل المدقق الفهامة، الشيخ على المقدسي الحنفي - عامله الله بلطفه الخفي - فالمعول في الفتوى الان عليه في الديار المصرية، والمرجع اليه من بين السادة الحنفية. وهو في الحقيقة جامع لكمالات عديدة، ومالك لفنون غريبة مفيدة، وله اطلاع على علوم كثيرة، ووقوف على معارف غزيرة، فاق بها على فضلاء هذا الزمان، وتميز بها على علماء هذا الاوان، مع ما جبل عليه من دمائة الاخلاق، وسلامة طبع فاق بها على الاطلاق.
الذيب، واما الشيخ الملقب بالذيب فكنا لما نسمع باسمه نتصور من مفهومه اغتيال النفوس كتصور الشاة معنى في الذيب، وحسبك ما يقال لكل مسمى من اسمه نصيب. حتى برز هذا التصور الى التصديق، ووقع له واقعة يوم دخول قاضي القضاة بالتحقيق. وذلك من عجيب ما اتفق في ذلك النهار. ومن غريب ما حدث فيه حسبما سبقت به الأقدار. وما ذاك إلا ان رجلًا مسنًا عمره نحو تسعين سنة أتى ليطالبه باربعة أنصاف كانت له في ذمته، فتشاجر معه، قيل أن الشيخ وكزه فقضى عليه من ساعته، وذلك ليلة القدر في المدرسة التي هي بالاشرفية مشهورة، وسئل عن خصوصية المكان فقيل ان الشيخ مع كونه مدرس الشيخونية بخمسين عثمانيًا، بواب هذه المدرسة المذكورة. وكان ذلك أمرا قضى الناس منه العجب وحصل على المذكور غاية الإنكار بهذا السبب.
بدر الدين القرافي: واما مولانا العلامة، والعمدة الفهامة، المتصف بالفضائل والفواضل في جمع المسالك، الحائز لرق الآداب فهو للفتوة متمم وللفتاوي مالك، بدر الملة والدنيا والدين، القاضي بدر الدين القرافي المالكي فإنه أتقن مذهبه غاية الإتقان، واحتوى على انواع الفضائل ونباهة الشأن، وله جامكية حسنة، وحسن انشاء وإشعار مستحسنة. دائمًا يواصلنا بمكاتباته، ولا يقطع عنا حيث كنا ترسلاته، وكان عرض له بترق في مدرسة السلطان حسن الفقهية المالكية، وأرسلنا العرض مع مندوبنا الذي وجهناه في مصالحنا إلى الابواب العلية، فأتانا منه مكتوب يتضمن أنه تم للمشار إليه الترقي المذكور، فكتبنا له ابياتًا نعلمه بما تضمنه المكتوب المسطور، صورتها:
أسعد الله طلعة البدر قاضي ال ... فضل والعلم والفنون الشهيره
بصنوف من السعادات والاح ... سان والمجد والهبات الغزيره
جاءنا من دار العدالة مكتو ... ب وانباءٌ عن واقعات كثيره
فيه ان المراد وهو الرتقي ... لكم تمَّ خمسة مسطوره
لا برحتم في رفعةٍ وترق ... وكمال وطلعة مستنيره
فكتب لي جوابًا عن ذلك، صورته:
دمت للفضل والفواضل كنزًا ... وهمامًا حوى من العلم خيره
من حديث كذاك تفسير آي ... آية الله للأنام شهيره
وفروع كذاك حسن بيان ... وكلام تراه حقًا أميره
وقريض يفوق درًا بديعًا ... وغليه الآداب أضحت مشيره
قد أتاني المديح يبدي سرورًا ... استوى فيه ظاهرٌ وسريره
صحب المجد والبشارة فضلا ... يا لها منه بأحسن سيره
هكذا الفضل من إمام محبٍ ... قد رعى عبده فكان بشيره
أسأل الله ذا الجلال ارتقاءً ... لمقام به الأماني الأثيره
ليرى بارعٌ نفاذَ قضاء ... ويرى الخصم حكمه بالبصيره
وصلاة لافضل الخلق جمعًا ... مظهر الحق جهرة ونصيره
1 / 15