ومن أتعب قلبا وأنصب فكرا ممن أراد أن يجعل الحسنة سيئة والمنقبة مثلبة ويحتاج لإخراج الباطل في صورة الحق فيقصد من المناقب لمثل قوس حاجب يضحك منها ويزري بها ويذهب في ذلك إلى خساسة العود وقلة ثمنه؟ وهذا لو كان على مذاهب التجار والسوق في الرهون والمعاملات لرجع بالعيب على الآخذ لا على الدافع لأن الدافع لا يألو أن يدفع أحقر ما يجد في أكثر ما يأخذ والمغبون من غر بالصغير عن الكبير. وإنما رهن عن العرب بما ضمنه عنها من كف الأذى عن مملكته حتى يحيوا وتنكشف عنهم السنة ولو كان مكان القوس مائة ألف رأس من الغنم عن هذا السبب ما كان القوس إلا أحسن بالدافع والقابل لأن سلاح الرجل هي عزه وشرفه وإسلام المال أحسن من إسلام العز والشرف وقد يدفع الرجل خاتمه وبرده أو رداءه عن الأمر العظيم فلا يسلمه خوفا من السبة وأنفة من العار.
[1.5.3]
قال أبو عبيدة لما قتل وكيع بن أبي سود التميمي قتيبة بن مسلم الباهلي بخراسان وبلغ ذلك سليمان وهو بمكة وهو حاج خطب الناس بمسجد عرفات وذكر غدر بني تميم وإسراعهم في الفتن وتوثبهم على السلطان وخلافهم له فقام الفرزدق ففتح رداءه وقال يا أمير المؤمنين هذا ردائي رهنا بوفاء تميم ومقامها على طاعتك. فلما جاءت بيعة وكيع قال الفرزدق [طويل]
فدى لسيوف من تميم وفى بها
ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم
يريد الأهتم بن سمي التميمي ورهطه.
[1.5.4]
وهذا سيار بن عمرو بن جابر الفزاري ضمن لبعض الملوك ألف بعير دية أبيه ورهنه قوسه فقبلها منه على ذلك وساقها إليه وفيه يقول القائل [طويل]
ونحن رهنا القوس ثم تخلصت
بألف على ظهر الفزاري أقرعا
وسيار هذا هو جد هرم الذي تنافر إليه عامر وعلقمة.
[1.5.5]
Bilinmeyen sayfa