1 الجزء الأول
1.1
1.1.1
[1.1.1]
قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة جعلنا الله وإياك على النعم شاكرين وعند المحن والبلوى صابرين وبالقسم من عطائه راضين وأعاذنا من فتنة العصبية وحمية الجاهلية وتحامل الشعوبية فإنها بفرط الحسد ونغل الصدر تدفع العرب عن كل فضيلة وتلحق بها كل رذيلة وتغلو في القول وتسرف في الذم وتبهت بالكذب وتكابر العيان وتكاد تكفر ثم يمنعها خوف السيف وتغص من النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر بالشجا وتطرف منه على القذى وتبعد من الله بقدر بعدها ممن قرب واصطفي وفي الإفراط الهلكة وفي الغلو البوار. والحسد هو الداء العياء أول ذنب عصي الله به في الأرض والسماء ومن تبين أمر الحسد بعدل النظر أوجب سخطه على واهب النعمة وعداوته لمؤتي الفضيلة لأن الله تعالى يقول {نحن قسمنا بنهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} فهو تبارك وتعالى باسط الرزق وقاسم الحظوظ والمبتدئ بالعطاء والمحسود آخذ ما أعطى وجار إلى غاية ما أجرى.
1.1.2
[1.2.1]
وقال ابن مسعود لا تعادوا نعم الله قيل ومن يعادي نعم الله؟ قال حاسد الناس. وفي بعض الكتب يقول الله الحاسد عدو لنعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمي. وقال ابن المقفع الحاسد لا يبرح زاريا على نعمة الله لا يجد لها مزالا ويكدر على نفسه ما به فلا يجد لها طعما ولا يزال ساخطا على من لا يتراضاه ومتسخطا لما لا ينال فوقه فهو مكظوم هلع جزوع ظالم أشبه شيء بمظلوم محروم الطلبة منغص المعيشة دائم السخطة لا بما قسم له يقنع ولا على ما لم يقسم له يغلب والمحسود يتقلب في فضل الله مباشرا للسرور ممهلا فيه إلى مدة لا يقدر الناس لها على قطع وانتقاص.
[1.2.2]
ولو صبر الحسود على ما به وضمر لحزنه كان خيرا له لأنه كلما هر خسأه الله وكلما نبح قذف بحجره وكلما أراد أن يطفئ نور الله أعلاه الله {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} ولله در القائل [كامل]
Bilinmeyen sayfa
وإذا أراد الله نشر فضيلة
يوما أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طيب عرف العود
1.1.3
[1.3.1]
ولم أر في هذه الشعوبية أرسخ عداوة ولا أشد نصبا للعرب من السفلة والحشوة وأوباش النبط وأبناء أكرة القرى فأما أشراف العجم وذوو الأخطار منهم وأهل الديانة فيعرفون ما لهم وما عليهم ويرون الشرف نسبا ثابتا. وقال رجل منهم لرجل من العرب إن الشرف نسب والشريف من كل قوم نسيب الشريف من كل قوم.
[1.3.2]
وإنما لهجت السفلة منهم بذم العرب لأن منهم قوما تحلوا بحلية الأدب فجالسوا الأشراف وقوما اتسموا بميسم الكتابة فقربوا من السلطان فدخلتهم الأنفة لآدابهم والغضاضة لأقدارهم من لؤم مغارسهم وخبث عناصرهم فمنهم من ألحق نفسه بأشراف العجم واعتزى إلى ملوكهم وأساورتهم ودخل في باب فسيح لا حجاب عليه ونسب واسع لا مدافع عنه ومنهم من أقام على خساسة ينافح عن لؤمه ويدعي الشرف للعجم كلها ليكون من ذوي الشرف ويظهر بغض العرب يتنقصها ويستفرغ مجهوده في مشاتمها وإظهار مثالبها وتحريف الكلم في مناقبها وبلسانها نطق وبهممها أنف وبآدابها تسلح عليها فإن هو عرف خيرا ستره وإن ظهر حقره وإن احتمل التأويلات صرفه إلى أقبحها وإن سمع سوءا نشره وإن لم يسمعه نفر عنه وإن لم يجده تخرصه فهو كما قال القائل [بسيط]
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا
شرا أذيع وإن لم يعلموا بهتوا
1.1.4
[1.4.1]
Bilinmeyen sayfa
ومن ذا رحمك الله صفا فلم يكن له عيب وخلص فلم يكن فيه شوب؟ وقيل لبعض الحكماء هل من أحد ليس فيه عيب؟ فقال لا لأن الذي ليس فيه عيب هو الذي لا يموت. وعائب الناس يعيبهم بفضل عيبه وينتقصهم بحسب نقصه ويذيع عوراتهم ليكونوا شركاءه في عورته ولا شيء أحب للفاسق من زلة العالم ولا إلى الخامل من عثرة الشريف قال الشاعر [كامل]
ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه
مراد لعمري إن أردت قريب
وقال آخر [وافر]
وأجرأ من رأيت بظهر غيب
على عيب الرجال ذوو العيوب
[1.4.2]
وقد كان زياد بن أبي سفيان حين كثر طعن الناس عليه وعلى معاوية في استلحاقه عمل كتابا في المثالب لولده وقال من عيركم فقرعوه بمنقصته ومن ندد عليكم فابدهوه بمثلبته فإن الشر بالشر يتقى والحديد بالحديد يفلح.
1.1.5
[1.5.1]
وكان أبو عبيدة معمر بن المثنى أغرى الناس بمشاتم الناس وألهجهم بمثالب العرب وحاله في نسبه وأبيه الأقرب إليه حال نكره أن نذكرها فنكون كمن أمر ولم يأتمر وزجر عن القبيح ولم يزدجر وهي مشهورة ولكن كرهنا أن تدون في الكتب وتخلد على الدهر ولا سيما وهو رجل يحمل عنه العلم ويحتج بقوله في القرآن.
[1.5.2]
Bilinmeyen sayfa
ومن أتعب قلبا وأنصب فكرا ممن أراد أن يجعل الحسنة سيئة والمنقبة مثلبة ويحتاج لإخراج الباطل في صورة الحق فيقصد من المناقب لمثل قوس حاجب يضحك منها ويزري بها ويذهب في ذلك إلى خساسة العود وقلة ثمنه؟ وهذا لو كان على مذاهب التجار والسوق في الرهون والمعاملات لرجع بالعيب على الآخذ لا على الدافع لأن الدافع لا يألو أن يدفع أحقر ما يجد في أكثر ما يأخذ والمغبون من غر بالصغير عن الكبير. وإنما رهن عن العرب بما ضمنه عنها من كف الأذى عن مملكته حتى يحيوا وتنكشف عنهم السنة ولو كان مكان القوس مائة ألف رأس من الغنم عن هذا السبب ما كان القوس إلا أحسن بالدافع والقابل لأن سلاح الرجل هي عزه وشرفه وإسلام المال أحسن من إسلام العز والشرف وقد يدفع الرجل خاتمه وبرده أو رداءه عن الأمر العظيم فلا يسلمه خوفا من السبة وأنفة من العار.
[1.5.3]
قال أبو عبيدة لما قتل وكيع بن أبي سود التميمي قتيبة بن مسلم الباهلي بخراسان وبلغ ذلك سليمان وهو بمكة وهو حاج خطب الناس بمسجد عرفات وذكر غدر بني تميم وإسراعهم في الفتن وتوثبهم على السلطان وخلافهم له فقام الفرزدق ففتح رداءه وقال يا أمير المؤمنين هذا ردائي رهنا بوفاء تميم ومقامها على طاعتك. فلما جاءت بيعة وكيع قال الفرزدق [طويل]
فدى لسيوف من تميم وفى بها
ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم
يريد الأهتم بن سمي التميمي ورهطه.
[1.5.4]
وهذا سيار بن عمرو بن جابر الفزاري ضمن لبعض الملوك ألف بعير دية أبيه ورهنه قوسه فقبلها منه على ذلك وساقها إليه وفيه يقول القائل [طويل]
ونحن رهنا القوس ثم تخلصت
بألف على ظهر الفزاري أقرعا
وسيار هذا هو جد هرم الذي تنافر إليه عامر وعلقمة.
[1.5.5]
Bilinmeyen sayfa
ومن هذا الباب قول جران وذكر اجتماعه مع نساء كان يألفهن [طويل]
ذهبن بمسواكي وقد قلت إنه
سيوجد هذا عندكن فيعرف
يظن من لا يعرف هذا الخبر أنهن سلبنه المسواك فاعتد عليهن وأخبرهن أنه سيوجد عندهن ويعرف لقدر المسواك عندهن وعنده ولأن الأعراب أنظر قوم في التافه الحقير الذي لا خطر له وكيف يظن به وبهن هذا وبلد نجد مستحلس بضروب من شجر المساويك لا تحصى فكيف يبخل على نساء يهواهن بعود وهو يصطلي به ويختبز ويطبخ بشجره ومتى احتاج إلى مسواك منه لم يتكلفه بثمن ولم يبعد في طلبه؟ والمعنى أن نجدا تختلف منابته فمنه ما ينبت الإسحل ومنه ما ينبت الأراك ومنه ما ينبت البشام فأهل كل ناحية منهم يستاكون بشجر بلدهم وكان جران العود معروفا بهؤلاء النساء يزورهن على حذر من مزار بعيد وهو يستن من الشجر ما ينبت في بلده ولا ينبت في بلدهن فلما أخذن سواكه ليتذكرنه ويسترحن إليه كما يفعل المتحابون قال إن هذا سيوجد عندكن وإذا وجد علم أنه مما ينبته البلد الذي أسكنه فاستدل به على زيارتي إياكن.
[1.5.6]
ويقصد لقول القائل [طويل]
أيا بنة عبد الله وابنة مالك
ويا بنة ذي البردين والفرس الورد
فيتضاحك بالشعر ويستهزئ بالبردين والفرس الورد ويعارض ذلك بملوك فارس وأسرتها وتيجانها وبأن أبرويز ارتبط تسعمائة وخمسين فيلا على مرابطه وبلغت مخدته التي كان يشرف بها على الداخل عليه ألف إناء من الذهب وخدمته ألف جارية وقد جهل هذا معنى الشعر وأخطأ في المعارضة وفخر بما ليس له فيه حظ ولا نصيب.
[1.5.7]
أما معنى الشعر فإن أبا عبيدة ذكر أن وفود العرب اجتمعت عند النعمان بن المنذر فأخرج بردي محرق وهو عمرو بن هند وقال ليقم أعز العرب قبيلة فيأخذهما فقام عامر بن أحيمر بن بهدلة فأخذهما فاتزر بواحد وارتدى بآخر فقال له بم أنت أعز العرب؟ فقال العز والعدد من العرب في معد ثم نزار ثم في مضر ثم في خندف ثم في تميم ثم في سعد ثم في كعب ثم في عوف ثم في بهدلة فمن أنكر هذا من العرب فلينافرني فسكت الناس فقال النعمان هذه عشيرتك كما تزعم فكيف أنت في أهل بيتك وفي بدنك؟ فقال أنا أبو عشرة وعم عشرة وخال عشرة يغنيني الأكابر عن الأصاغر والأصاغر عن الأكابر فأما أنا في بدني فهذا شاهدي ثم وضع قدمه على الأرض وقال من أزالها من مكانها فله مائة من الإبل فلم يقم إليه أحد من الناس فذهب بالبردين فسمي ذا البردين. قال الفرزدق [طويل]
فما تم في سعد ولا آل مالك
غلام إذا ما قيل لم يتبهدل
Bilinmeyen sayfa
لهم وهب النعمان ثوبي محرق
بمجد معد والعديد المحصل
[1.5.8]
وأما الفرس الورد فإن الخيل حصون العرب ومنبت العز وسلم المجد وثمال العيال وبها تدرك الثأر وعليها تصيد الوحش وكانوا يؤثرونها على الأولاد باللبن ويشدونها بالأفنية للطلب والهرب وقد كنى الله عنها في كتابه بالخير لما فيها من الخير فقال حكاية عن نبيه سليمان صلى الله عليه وسلم {إني أحببت حب الخر عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب} يعني الخيل وبها كان شغل سليمان عن الصلاة حتى غربت الشمس.
[1.5.9]
وقال طفيل [طويل]
وللخيل أيام فمن يصطبر لها
ويعرف لها أيامها الخير يعقب
وقال آخر [كامل]
ولقد علمت على توقي الردى
أن الحصون الخيل لا مدر القرى
إني وجدت الخيل عزا ظاهرا
تنجي من الغمى ويكشفن الدجى
ويبتن بالثغر المخوف طلائعا
وتبين للصعلوك جمة ذي الغنى
Bilinmeyen sayfa
باتوا بصائرهم على أكتافهم
وبصيرتي يعدو بها عتد وأى
والبصيرة الدم يريد أنهم لم يدركوا الثأر فثقل الدماء على أكتافهم وأنه قد أدرك ثأره على فرسه.
[1.5.10]
وحدثني محمد بن عبيد قال حدثني سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة عن عروة البارقي قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
[1.5.11]
قال أبو محمد وليس لأحد مثل عتاق العرب ولا عند أحد من الناس من العلم بها ما عندهم وسأذكر من ذلك شيئا فيما بعد إن شاء الله وإذا كان للرجل منها جواد مبر كريم شهر به وعرف فقيل العسجدي ولاحق وداحس والورد. وليس أعجب من سرير كسرى وفخر العجم به وتصويرهم إياه في الصخور الصم وفي رعان الجبال.
[1.5.12]
وإذا رأيت العرب تنسب إلى شيء خسيس في نفسه فليس ذلك إلا لمعنى شريف فيه كقولهم لهنيدة بنت صعصعة عمة الفرزدق ذات الخمار. فمن لم يعرف سبب الخمار هاهنا يظن أنها كانت تختمر دون نساء قومها فنسبت إلى الخمار لذلك. قال أبو عبيدة كانت هنيدة بنت صعصعة تقول من جاءت من نساء العرب بأربعة مثل أربعتي يحل لها أن تضع عندهم خمارها فصرمتي لها. أبي صعصعة وأخي غالب وخالي الأقرع بن حابس وزوجي الزبرقان بن بدر فسميت ذات الخمار لذلك وقال كان هند بن أبي هالة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا أكرم الناس أربعة أبي رسول الله وأمي خديجة وأختي فاطمة وأخي القاسم فهؤلاء الأربعة لا أربعتها. وأما خطؤه في المعارضة فإن صاحب البردين لم يكن ملك العرب فيعارضنا عنه بملك العجم ولم يدع أحد أنه كان للعرب في دولة العجم مثل ملكها وأموالها وعددها وسلاحها وحريرها وديباجها فيحتاج أن يذكر فيلة أبرويز وجواريه وفرشه وقد كان هذا لأولئك كما ذكر ثم جعله الله لهؤلاء فابتزوه واستلبوه والتحوهم كما يلتحى القضيب والناسخ أفضل من المنسوخ.
[1.5.13]
وأما فخره بما ليس له فيه حظ ولا نصيب فإنما يفخر بملك فارس أبناء ملوكها وأبناء عمالهم وكتابهم وحجابهم وأساورتهم فأما رجل من عرض العجم وعوامهم لا يعرف له نسب ولا يشهر له أب فما حظه في سرير كسرى وتاجه وحريره وديباجه وليس هو من ذلك في مراح ولا مغدى ولا مظل ولا مأوى. فإن قال لأني من العجم وكسرى من العجم فمرحبا بالمثل المبتذل أنا ابن جار النجار ولو قال أيضا لأني من الناس وكسرى من الناس كان وهذا سواء وما هو بأولى بهذا السبب من العرب لأن العرب أيضا من الناس.
Bilinmeyen sayfa
[1.5.14]
قال أبو عبيدة أجريت الخيل فطلع منها فرس سابق فجعل رجل من النظارة يكبر ويثب من الفرح فقال له رجل إلى جانبه يا فتى أهذا السابق فرسك؟ فقال لا ولكن اللجام لي. وقال المسعودي قدم علينا أعراب وكانوا يأتون ببضائعهم فأبيعها وأقوم بحوائجهم وكانوا يقولون رحم الله أباك دينارا فكنت لا آلوهم عناية فقلت لهم أخبروني عن السبب بينكم وبين أبي؟ قالوا كان يساومنا مرة بأتان فقلت لهم هل كان اشتراها منكم؟ قالوا لا قلت الله أكبر! قالوا وما ذاك؟ قلت لو اشتراها صارت رحما ونسبا.
[1.5.15]
وقد كانت العجم رحمك الله في ذلك الزمان طبق الأرض شرقا وغربا وبرا وبحرا إلا محال معد واليمن أفكل هؤلاء أشراف؟ فأين الوضعاء والأدنياء والكساحون والحجامون والدباغون والخمارون والرعاع والمهان؟ وهل كان ذوو الشرف في جملة الناس إلا كاللمعة في جلد البعير وأين ذراريهم وأعقابهم؟ أدرجوا جميعا فلم يبق منهم أحد وبقي أبناء الملوك والأشراف؟
1.1.6
[1.6.1]
وأعجب من هذا ادعاؤهم إلى إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليهما وسلم وفخرهم على العرب بأنه لسارة الحرة وإن إسماعيل أبا العرب لهاجر وهي أمة قال شاعرهم [بسيط]
في بلدة لم تصل عكل بها طنبا
ولا خباء ولا عك وهمدان
ولا لجرم ولا بهراء من وطن
لكنها لبني الأحرار أوطان
أرض تبنى بها كسرى مناسكه
فما بها من بني اللخناء إنسان
Bilinmeyen sayfa
فبنو الأحرار عندهم العجم من ولد إسحاق وإسحاق لسارة وهي حرة وبنو اللخناء عندهم العرب لأنهم من ولد إسماعيل وإسماعيل لهاجر وهي أمة. قالوا واللخناء عند العرب الأمة.
[1.6.2]
فالويل الطويل لهؤلاء والبعد والثبور من هذه العداوة لأولياء الله والأنباز القبيحة لصفوة الله وقد غلطوا في التأويل على اللغة وليس كل أمة عند العرب لخناء أي اللخناء من الإماء الممتهنة في رعي الإبل وسقيها وجمع الحطب وحمله واستقاء الماء والحلب وأشباه ذلك من الخدمة كما يقال الأمة الوكعاء وليس كل أمة وكعاء وإنما قيل لخناء لنتن ريحها ويقال لخن السقاء يلخن لخنا إذا تغير ريحه وأنتن.
[1.6.3]
وأما مثل هاجر التي طهرها الله من كل دنس وطيبها من كل دفر وارتضاها للخليل فراشا وللطيبين إسماعيل ومحمد عليهما الصلاة والسلام أما وجعلهما لها سلالة فهل يجوز لملحد فضلا عن مسلم أن يطلق عليها اللخن ولو لم يكن إلا أن ملك القبط متع بها سارة وكانت أنفس إمائه عنده وأحظاهن لديه لقد كان في ذلك دليل على أنها لم تكن من الإماء اللخن ولو جاز أن يطلق على كل أمة لخناء لجاز أن يقال لكل شريف ولدته أمة هذا ابن اللخناء كما يقال هذا ابن الأمة وقد ولدت الإماء الخلفاء والخيار والأبرار مثل علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
[1.6.4]
حدثني سهل بن محمد قال حدثنا الأصمعي قال كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم الثلاثة ففاتوا أهل المدينة فقها وورعا فرغب الناس في السراري.
[1.6.5]
والنساب لا يعرفون لأهل فارس ولا للنبط في إسحاق بن إبراهيم حظا لأن إسحاق تزوج رفقا بنت ناحور بن تارح وتارح هو آزر ورفقا بنت عمه ولدت له عيصو ويعقوب توأمين في بطن واحد فيعقوب هو إسرائيل الذي ولد الأسباط كلهم وكانوا اثني عشر رجلا وأولادهم جميعا يدعون بني إسرائيل وهم أهل الكتاب ليس لهؤلاء فيهم سبب ولا نسب.
[1.6.6]
Bilinmeyen sayfa
وعيصو هو أبو الروم وكان الروم رجلا أصفر شديد الصفرة في بياض ومن أجل ذلك سميت الروم بني الأصفر. قالوا وكانت أم الروم بنت إسماعيل بن إبراهيم وولد من الروم خمسة نفر فكل من بأرض الروم من نسل هؤلاء الرهط. قالوا ولما سبقه يعقوب إلى دعوة إسحاق فصارت النبوة في ولده دعا لعيصو بالنماء والكثرة فالروم كلها من ولده وبعض الناس يزعم أيضا أن الأشبان من ولده. وقالوا النبط ابن ساروح بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح ويقال إنه ابن ماش بن سام بن نوح. قالوا وأهل فارس من ولد لاوذ بن أرم بن سام بن نوح وكان كثير الولد فنزل أرض فارس فأجناس الفرس كلهم من ولده.
[1.6.7]
فليس بين هؤلاء وبين إسحاق بن إبراهيم على ما ذكر النسابون نسب يجمعهم إلا سام بن نوح والناس يجتمعون في ولادة شيث بن آدم ثم في ولادة نوح ثم يتشعبون فولد نوح أربعة نفر سام وحام ويافث ويام.
[1.6.8]
فأما يام فهلك بالطوفان فلا عقب له وهو الذي قال له أبوه {يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} وأما حام فإن أباه لعنه ودعا عليه بأن يكون عبدا لأخويه فخملت ذريته وسقطت فيه فهم النوبة وفزان والزغاوة وأجناس السودان والسند والقبط. وأما يافث فإن أباه دعا له بالنماء والكثرة فولد الصقالب والترك ويأجوج ومأجوج وأمما عدد الرمل والحصى في مشارق الأرض. فأما سام فبارك عليه فأشراف الناس من ولده فهم العماليق ومنهم الجبابرة وفراعنة مصر وملوك فارس ومن ولد سام الأنبياء جميعا بعد نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ومن بعده إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
[1.6.9]
فالعرب وفارس يتساوون في هذه الجملة وتفضلها العرب بعدها بأنها من ولد إسماعيل بن إبراهيم فهي أدنى من خليل الله دناوة وأمس به رحما ثم تتساوى العرب وفارس في أن الفريقين ملكوا وتفضلها العرب بأن قواعد ملكها نبوة وقواعد ملك فارس استلاب وغلبة وتفضلها العرب بأن ملكها ناسخ وملك فارس منسوخ وتفضلها بأن ملكها متصل بالساعة وملك فارس محدود وتفضلها العرب بأن ملكها واغل في أقاصي البلاد داخل في آفاق الأرض وملك فارس شظية منه ليس فيه الشام ولا الجزيرة ولا خراسان في أكثر مددهم ولا اليمن إلا في أيام وهرز وسيف بن ذي يزن.
1.1.7
[1.7.1]
ومن عجب أمرهم أيضا فخرهم على العرب بآدم يقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تفضلوني عليه فإنما أنا حسنة من حسناته ثم بالأنبياء وأنهم من العجم إلا أربعة نفر هود وصالح وشعيب ومحمد صلى الله عليهم وسلم وفي هذا القول وضع الفخر على غير أساس ومن أسس بنيانه على الباطل والغرور أوشك أن يتداعى وأن يخر وظلم للعرب فاحش ومنه ادعاؤهم آدم كأن العرب ليسوا من ولده ومنه انتحالهم موسى وعيسى وزكريا ويحيى وأشباههم من بني إسرائيل وليس بين فارس وبين بني إسرائيل نسب على ما بينت لك.
Bilinmeyen sayfa
[1.7.2]
ومنه دفعهم العرب عن قربهم بهؤلاء الأنبياء وهم بنو عمومتهم وعصبتهم لأن العرب بنو إسماعيل بن إبراهيم بإجماع الناس فهم بنو أخي إسحاق بن إبراهيم وأولى به وأحق بشرفه وأولى بموسى وعيسى وداود وسليمان وجميع الأنبياء من ولده وقال الله تعالى {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} فآل إبراهيم هم ولد إسحاق وولد إسماعيل ثم قال {ذرية بعضها من بعض} فأعلمنا أن العرب وبني إسرائيل شيء واحد في النسب.
[1.7.3]
وفيما أوحى الله إلى موسى إني سأقيم لبني إسرائيل من إخوتهم مثلك أجعل كلامي على فيه يريد أنه يقيم لهم من العرب نبيا مثل موسى يعني نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وهذا علم من أعلامه وحجة من حججنا على أهل الكتاب من كتبهم. فإن قالوا في ذلك إنه يقيم لهم من بني إسرائيل نبيا مثل موسى وقالوا إن بني إسرائيل بعضهم إخوة بعض أكذبهم النظر لأنه لو أراد ذلك لقال لهم من أنفسهم ومنهم كما أن رجلا لو أراد أن يبعث رسولا من خندف لم يقل سأبعث رسولا من إخوة خندف.
[1.7.4]
فإن كان دفعهم ولد إسماعيل عن تشابك نسبهم بولد إسحاق لنزول إسماعيل الحرم ونكاحه في جرهم فإن الديار قد تتناءى والمحال قد تتباين والرجل قد ينكح في البعيد وقد يولد له من الإماء ولا تنقطع الأرحام والأنساب وإن كان إسماعيل نطق بالعربية فليس اختلاف الناس في الألسنة يخرجهم عن نسب آبائهم وإخوانهم وعشائرهم فهؤلاء أهل السريانية قد خالفوا في اللسان أهل العبرانية وهذه الروم كفرت بالله ولا شيء أقطع للعصمة من الكفر وتكلمت بالرومية ورغبت عن لسان آبائها وليس ذلك بمخرجها عن ولادة إسحاق بن إبراهيم على أن إسماعيل لم يكن أول من نطق بالعربية وإنما تعلمها وإنما أصل العربية لليمن لأنهم من ولد يعرب بن قحطان وكان يعرب أول من تكلم بالعربية حين تبلبلت الألسن ببابل وسار حتى نزل اليمن في ولده ومن تبعه من أهل بيته ثم نطق بعده ثمود بلسانه وشخص حتى نزل الحجر.
[1.7.5]
حدثني أبو حاتم قال حدثني الأصمعي قال أخبرني أبو عمرو بن العلاء قال تسع قبائل قديمة طسم وجديس وعهينة وضجم بالجيم وبالحاء وجعم والعماليق وقحطان وجرهم وثمود. وحدثني أبو حاتم قال حدثنا الأصمعي قال حدثنا ابن أبي الزناد عن رجل من جرهم قال نحن بدء الخلق لا يشاركنا أحد في أنسابنا يقول من قدمنا فهؤلاء قدماء العرب الذين فتق الله ألسنتهم بهذا اللسان وكانت أنبياؤهم عربا هود وصالح وشعيب.
[1.7.6]
حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه أنه سئل عن هود أكان أبا اليمن الذي ولدهم ؟ قال لا ولكنه أخو اليمن في التوراة فلما وقعت العصبية بين العرب وفخرت مضر بأبيها إسماعيل ادعت اليمن هودا ليكون لهم والد من الأنبياء.
Bilinmeyen sayfa
[1.7.7]
قال وأما شعيب من ولد رهط من المؤمنين تبعوا إبراهيم لما هاجر إلى الشام ولم يكن يثبت لهم نسب في بني إسرائيل ولم تكن مدين قبيلة ولكنها أمة بعث إليها.
[1.7.8]
فلما بوأ الله إسماعيل الحرم وهو طفل وأنبط له زمزم مرت به من جرهم رفقة فرأوا ما لم يكونوا يعهدونه وأخبرتهم هاجر بنسب الصبي وحاله وما أمر الله أباه فيه وفيها فتبركوا بالمكان ونزلوه وضموا إليهم إسماعيل فنشأ معهم ومع ولدانهم ثم أنكحوه فتكلم بلسانهم فقيل نطق باليعربية إلا أن الياء زيدت في الاسم فحذفت في النسب كما تحذف أشياء من الزوائد وغيرها كما تغير أشياء عن أصولها والدليل على أن أصل اللسان لليمن أنهم يقال لهم العرب العاربة ويقال لغيرهم العرب المتعربة يراد الداخلة في العرب المتعلمة منهم وكذلك معنى التفعل في اللغة يقال تنزر الرجل إذا دخل في نزار وتمضر إذا دخل في مضر وتقيس إذا دخل في قيس وقال الشاعر [رجز]
وقيس عيلان ومن تقيسا ~
ولو كان كل من تعلم لسانا غير لسان قومه ونطق به خارجا من نسبهم لوجب أن يكون كل من نطق بالعربية من العجم عربيا.
1.1.8
[1.8.1]
وسأقول في الشرف بأعدل القول وأبين أسبابه ولا أبخس أحدا حقه ولا أتجاوز به حده فلا يمنعني نسبي في العجم أن أدفعها عما تدعيها لها جهلتها وأثني أعنتها عما تقدم إليها سفلتها وأختصر القول وأقتصر على العيون والنكت ولا أعرض للأحاديث الطوال في خطب العرب وتعداد أيامها ووفدات أشرافها على ملوك العجم ومقاماتها فإن هذا وما أشبهه قد كثر في كتب الناس حتى أخلق ودرس حتى مل لا سيما وأكثر هذه الأخبار لا طريق لها ولا نقلت من الثقات والمعروفين أيضا تخبر عن التكلف وتدل على الصنعة وأرجو أن لا يطلع ذوو العقول وأهل النظر مني على إيثار هوى ولا تعمد لتمويه وما أتبرأ بعده من العثرة والزلة إلا أن يوفقني الله وما التوفيق إلا به.
[1.8.2]
Bilinmeyen sayfa
وعدل القول في الشرف أن الناس لأب وأم خلقوا من تراب وأعيدوا إلى التراب وجروا في مجرى البول وطووا على الأقذار فهذا نسبهم الأعلى الذي يردع أهل العقول عن التعظيم والكبرياء ثم إلى الله مرجعهم فتنقطع الأسباب وتبطل الأحساب إلا من كان حسبه تقوى الله وكانت ماتته طاعة الله.
[1.8.3]
وأما النسب الأدنى الذي يقع فيه التفاضل بين الناس في حكم الدنيا فإن الله خلق آدم من قبضة جميع الأرض وفي الأرض السهل والحزن والأحمر والأسود والخبيث والطيب يقول الله عز وجل {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} فجرت طبائع الأرض في ولده فكان ذلك سببا لاختلاف غرائزهم فمنهم الشجاع والجبان والبخيل والجواد والحيي والوقاح والحليم والعجول والدمث والعبوس والشكور والكفور وسببا لاختلاف ألوانهم وهيئاتهم فمنهم الأبيض والأسود والأسمر والأحمر والأقشر والوسيم والخفيف على القلوب والثقيل والمحبب إلى الناس من غير إحسان والمبغض إليهم من غير ذنوب وسببا لاختلاف الشهوات والإرادات فمنهم من يميل به الطبع إلى العلم ومن يميل به إلى المال ومن يميل به إلى اللهو ومن يميل به إلى النساء ومن يميل به إلى الفروسية.
[1.8.4]
ثم يختلفون أيضا في ذلك فمنهم من يسرع إلى فهمه الفقه ويبطئ عنه الحساب ومنهم من يعلق بفهمه الطب وينبو عنه النجوم ومنهم من يتيسر له الدقيق الخفي ويعتاص عليه الواضح الجلي ومنهم من يتعلم فنا من العلم فيرسخ في قلبه رسوخ النقر في الحجر ويتعلم ما هو أخف منه فيدرس دروس الرقم على الماء ومن طلبة المال من يطلبه بالتجارة ومن يطلبه بالجراية ومن يطلبه بالسلطان ومن يطلبه بالكيمياء فيتلف بالطمع الكاذب والتماس المحال أثلة المال ومن طلبة النساء من يريد المهفهفة ومن يريد الضناك ومن يريد الغرة الصغيرة ومن يريد النصف الوثيرة وأعجب من هذا من ربما حبب إليه العجوز قال الشاعر [طويل]
عجوز علتها كبرة وملاحة
أقاتلتي يا للرجال عجوز
عجوز لو ان الماء ملك يمينها
لما تركتنا بالمياه نجوز
[1.8.5]
ومن لؤم الغرائز أن من الناس من يحب الذم كما يحب غيره المدح ويرتاح للهجاء كما يرتاح غيره للثناء ومنهم من يغرى بذم قومه وسب نفسه وآبائه وشتم عشيرته منهم عميرة بن جعل التغلبي وهو القائل [طويل]
كسا الله حيي تغلب ابنة وائل
من اللؤم إصغارا بطيئا نصولها
Bilinmeyen sayfa
ومنهم الحرمازي وهو القائل [رجز]
إن بني الحرماز قوم فيهم
عجز وتسليط على أخيهم
فابعث عليهم شاعرا يخزيهم
يعلم منهم مثل علمي فيهم
ومنهم النحيف وهو القائل في أمه [بسيط]
يا ليتما أمنا شالت نعامتها
أيما إلى جنة أيما إلى نار
ليست بشبعى ولو أسكنتها هجرا
ولا بريا ولو حلت بذي قار
تلهم الوسق مشدودا أشظته
كأنما وجهها قد طلي بالقار
خرقاء في الخير لا تهدى لوجهته
وهي صناع الأذى في الأهل والجار
[1.8.6]
ومنهم الحطيئة هجا أباه وأمه ونفسه فقال في أمه [وافر]
Bilinmeyen sayfa
تنحي فاقعدي مني بعيدا
أراح الله منك العالمينا
ألم أوضح لك البغضاء مني
ولكن لا إخالك تعقلينا
أغربالا إذا استودعت سرا
وكانونا على المتحدثينا
وقال لأبيه [وافر]
لحاك الله ثم لحاك حقا
أبا ولحاك من عم وخال
فبئس الشيخ أنت على المخازي
وبئس الشيخ أنت لدى المعالي
جمعت اللؤم لا حياك ربي
وأبواب السفاهة والضلال
وقال لنفسه [طويل]
أبت شفتاي اليوم ألا تكلما
بشر فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجها شوه الله خلقه
فقبح من وجه وقبح حامله
Bilinmeyen sayfa
[1.8.7]
وأتى عيينة بن النهاس العجلي مادحا فقال عيينة لوكيله اذهب معه إلى السوق فلا يشيرن إلى شيء ولا يسومن به إلا اشتريته له فلما انصرف عنه قال [طويل]
سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلا
فسيان لا ذم عليك ولا حمد
[1.8.8]
ومن لؤم الغرائز أيضا في الناس أن منهم من يؤثر ريح الكراييس على ريح اليلنجوج وريح الحشوش على نفحات الورد ويهتاج من النساء لذات القبح والدفر ويكسل عن الحسناء ذات العطر ومنها أن الرجل يكون في رخاء بعد بؤس وسعة بعد ضيق فيسأم ما هو فيه ويرغب عنه إلى ما كان عليه وقال أعرابي قدم المصر فحسنت حاله [بسيط]
أقول بالمصر لما ساءني شبعي
ألا سبيل إلى أرض بها جوع
ألا سبيل إلى أرض بها غرث
جوع يصدع منه الرأس يرقوع
وهذا وأشباهه من لئيم الغرائز كثير في الأمم.
[1.8.9]
وهذه الطبائع هي أسباب الشرف وأسباب الخمول فذو الهمة تسمو به نفسه إلى معالي الأمور وترغب به عن الشائنات فيخاطر في طلب العظيم بعظيمته ويستخف في ابتغاء المكارم بكريمته ويركب الهول ويدرع الليل ويحط إلى الحضيض وتأبى نفسه إلا علوا حتى يسعد بهمته ويظفر ببغيته ويحوز الشرف لنفسه وذريته ومن لا همة له جثامة لبد يغتنم الأكلة ويرضى بالدون ويستطيب الدعة وإن أعدم لم يأنف من ذل السؤال والجبان يفر عن أمه وأبيه وصاحبته وبنيه والشجاع يحمي من لا يناسبه بسيفه ويقي الجار والرفيق بمحبته والبخيل يبخل على نفسه بالقليل والجواد يجود لمن لا يعرفه بالجزيل وقال الله عز وجل {قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها} يريد قد أفلح من أنمى نفسه بالمعروف وأعلاها وقد خاب من أسقطها بلئيم الأخلاق وأخفاها.
Bilinmeyen sayfa
[1.8.10]
وقد يكون الرجل مخالفا لأبيه في الأخلاق وفي الشمائل أو في الهمم أو في جميع ذلك لعرق نزعه من قبل أجداده لأبيه وأمه وقال الشاعر [متقارب]
وأشبهت جدك شر الجدو
د والعرق يسري إلى النائم
[1.8.11]
ومن الناس الشريف الحسيب وذلك الذي جمع إلى محاسن آبائه محاسن نفسه ومنهم الشريف ولا حسب له وذلك إذا كان لئيم النفس ومنهم من لا شرف له ولا حسب وذلك إذا كان لئيم النفس لئيم السلف.
[1.8.12]
وقال قيس بن ساعدة لأقضين بين العرب قضية ما قضى بها أحد قبلي ولا يردها أحد بعدي أيما رجل رمى رجلا بملأمة دونها كرم فلا لؤم عليه وأيما رجل ادعى كرما دونه لؤم فلا كرم له. يعني أن أولى الأمور بالمرء خصاله في نفسه فإن كان شريفا في نفسه وآباؤه لئام لم يضره ذلك وكان الشرف أولى به وإن كان لئيما في نفسه وآباؤه كرام لم ينفعه ذلك. ومثله قول عائشة كل شرف دونه لؤم فاللؤم أولى به وكل لؤم دونه شرف فالشرف أولى به وقال الشاعر في مثله [طويل]
ومن يك ذا لؤم ومجد يعده
فأولى به من ذاك ما كان أقربا
فلا لؤم عودا بعد مجد يهده
ولا مجد معدودا إذا اللؤم عقبا
[1.8.13]
Bilinmeyen sayfa
والحسب مأخوذ من قولك حسبت الشيء أحسبه حسبا إذا عددته وكان الرجل الشريف يحسب مآثر آبائه ويعدهم رجلا رجلا فيقال لفلان حسب أي آباء يعدون وفضائل تحسب فالمصدر مسكن والاسم مفتوح كما تقول هدمت الحائط هدما فتسكن المصدر وتقول لما سقط إلى الأرض هدم فتفتح الدال من الاسم.
[1.8.14]
وكذلك الأمم فيها أمة كرم بلبانها كالعرب فإنها لم تزل في الجاهلية تتواصى بالحلم والحياء والتذمم وتتعاير بالبخل والغدر والسفه وتتنزه من الدناءة والمذمة وتتدرب بالنجدة والصبر والبسالة وتوجب للجار من حفظ الجوار ورعاية الحق فوق ما توجبه للحميم والشقيق فربما بذل أحدهم نفسه دون جاره ووقى ماله بماله وقتل دون حميمه.
[1.8.15]
ومنهم كعب بن مامة وكان إذا جاوره جار فمات بعض لحمته وداه وإذا مات له بعير أو شاة أعطاه مكان ذلك مثله ومنهم عمير بن سلمى الحنفي أحد أوفياء العرب وكان له جار فخالفه أخوه قرين إلى امرأته فاشتد الرجل في حفظ امرأته فقتله وكان عمير غائبا فلما قدم وخبر بذلك دفع قرينا إلى ولي المقتول فقتله واعتذر إلى أمه وعظم جرمه فقالت [وافر]
تعد معاذرا لا عذر فيها
ومن يقتل أخاه فقد ألاما
[1.8.16]
ومن أعجب أمر في الجوار قصة أبي حنبل جارية بن مر وكان الجراد سقط بقرب بيته فقصد الحي لصيده فلما رآهم قال أين تريدون؟ قالوا نريد جارك هذا فقال أي جيراني؟ قالوا الجراد فقال أما إذ جعلتموه لي جارا فوالله لا تصلون إليه ثم منع منه حتى انصرفوا ففخر بعضهم فقال [متقارب]
لنا هضبة ولنا معقل
صعدنا إليه بصم الصعاد
ملكناه في أوليات الزما
ن من بعد نوح ومن بعد عاد
Bilinmeyen sayfa
ومنا ابن مر أبو حنبل
أجار من الناس رجل الجراد
وزيد لنا ولنا حاتم
غياث الورى في السنين الشداد
وقال قيس بن عاصم يذكر قومه [كامل]
لا يفطنون لعيب جارهم
وهم لحفظ جواره فطن
وقال مسكين الدارمي [كامل]
ناري ونار الجار واحدة
وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضر جارا لي يجاورني
أن لا يكون لبابه ستر
وقال الحطيئة يعد محاسن قومه [طويل]
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها
وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا
Bilinmeyen sayfa
يسوسون أحلاما بعيدا أناتها
وإن غضبوا جاء الحفيظة والجد
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم
من اللؤم أو سدوا المكان الذي سدوا
1.1.9
[1.9.1]
ولهم الضيافة عامة شاملة في جميع البادين منهم والإيثار على النفس والجود بالموجود. وأفضل العطاء جهد المقل وقال عثمان بن أبي العاص لدرهم يخرجه أحدكم من جهد فيضعه في حق خير من عشرة آلاف درهم يخرجها أحدنا غيضا من فيض. ولولا ما تواصوا به من الضيافة وتحاضوا عليه من الإيثار لمات الخير وأبدع به دون غايته وقال أرطاة بن سهية [طويل]
وما دون ضيفي من تلاد تحوزه
إلى النفس إلا أن تصان الحلائل
وقال ابن أبي الزناد قال عبد الملك بن مروان ما يسرني أن أحدا من العرب ولدني إلا عروة بن الورد لقوله [طويل]
وإني امرؤ عافي إنائي شركة
وأنت امرؤ عافي إنائك واحد
أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى
بجسمي مس الحق والحق جاهد
أقسم جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء بارد
Bilinmeyen sayfa