والمختار: أن وجوبها لا يعلم إلا من جهة الشرع، وأنه لا مجال للعقل هنا، وأن اللطفية واندفاع الضرر غير معلومين ولا مظنونين، وأنه كثيرا مما ينعكس ذلك، فيلون(1) كثير من المكلفين أبعد معها من الطاعة، وينفتح كثير من المضار الدنيوية بسبب الإمامة.
قلت: ولم يزل يختلج في الخاطر إشكال ما ذكره الأصحاب من أمر الوجوب وحقيقة ظاهر كلامهم أن الوجوب على الأمة، فهل الواجب تحصيل الإمام ووجود الإمام في الخارج؟ فهذا غير مقدور لهم، لأنه إذا فرض أن في الأمة واحدا أو اثنين أو ثلاثة يصلحون للإمامة ويجمعون شروطها، فمن الجائز أن يمتنعوا عن التأهل لها والقيام بتكاليفها، وليس في مقدور سائر الأمة فعلهم لذلك، بل إذا امتنعوا عن ذلك ولم يسعدوا إليه لم يكن داخلا في إمكان سائر الأمة، ولا متصورا من جهتهم.
وإن كان المراد أن الواجب على الأمة ...... (2) في ذلك والمبالغة والاهتمام بأمره، سواء حصل أو لم يحصل، فالعبارة مشكلة، وكان الأليق على هذا أن يقال: يجب على الأمة إبلاغ الجهد واستفراغ الوسع في نصب الإمام.
وليس هذه العبارة بموجودة قط في شيء من كتب علم الكلام ولا في الفقه، وإن كان المراد: أنه يجب على من صلح للإمامة التأهل لها، إن كان واحدا ففرض عين، وإن كانوا جماعة ففرض كفاية، ويجب على الأمة أن يعقدوا له ويبايعوه وينصبوه، فهذا تفسير يقضي باختلاف معنى الوجوب في حق الأمة، فكان يليق أن يقال: يجب على من صلح للإمامة أن يتأهل لها، ويجب على سائر الأمة أن يعقدوها له ولو قبل هذا إن لم تسعه(3)، فإنما العقد من جماعة قليلة، وأشخاص معدودين من أهل العقد والحل، فكيف يجعل هذا واجبا على الأمة كلها.
Sayfa 72