وقد لاح لي من سيرة الإمام الأجل المتوكل على الله عز وجل أحمد بن سليمان أنه بعد عمى بصره صدر عنه من التصرفات مالا يسوغ إلا مع بقاء الولاية، وليس المرض المزمن والعمى بأشد في ضعف أمره وإخلال تصرفه مما جرى لعمر بن الخطاب من تلك النازلة التي ألمت به وقطع لأجلها بذهابه، وصار مأيوسا من حياته، ومن المعلوم أنه لم يرفع يده عن التصرف حينئذ في بقية حياته ولا فيما يكون بعد وفاته، وكان منه ما كان من الأمر بالشورى، وإلزام العمل بمقتضاها إلى حد إلزام القتل عند الشارع(1)، وكان منهم التزام ذلك والعمل به، ولا معنى للزوم امتثال أمره فيما أمره به إلا حيث هو في تلك الحالة بأمر الإمامة، ولو كانت إمامته قد بطلت لذلك العارض لبطل أمره، فلا يعمل بقوله، ولا يعتمد عليه، والله سبحانه أعلم.
ومن هذه العوارض وقبيلها وإن لم يكن من فعل الله تعالى الأسر المأيوس فكاكه.
قال الإمام المهدي عليه السلام : واليأس هو غلبة الظن أنه ينقطع عمره تحت الأسر لأمارات تقتضي ذلك، قال الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام : وهذا مذهب العترة، واختاره السيدان الأخوان، لأن ما ذكر بمنزلة العلة التي لا يرجى زوالها، فإن لم يكن مأيوسا عنه لم ينعزل، ويصير بمنزلة [من] يرجو الزوال، وهل العبرة باليأس به أو بالناس؟ الأظهر أن العبرة بهم في ذلك لا به، فإن التكليف في نصب غيره يتعلق بهم لا به، والنظر في ذلك إليهم لا إليه، فربما يتعذر عليهم فهم ما لديه.
Sayfa 152